responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 251
عِنْدَ الْإِسْكَنْدَرِ، فَقَالَ: أَنَا مَلِكُ الصِّينِ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الَّذِي تُرِيدُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ عَمَلُهُ عَمِلْتُهُ وَتَرَكْتَ الْحَرْبَ. فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَرُ: مَا الَّذِي آمَنَكَ مِنِّي؟ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّكَ عَاقِلٌ حَكِيمٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَدَاوَةٌ وَلَا ذَحْلٌ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِنْ قَتَلْتَنِي لَمْ يَكُنْ قَتْلِي سَبَبًا لِتَسْلِيمِ أَهْلِ الصِّينِ مُلْكِي إِلَيْكَ، ثُمَّ إِنَّكَ تُنْسَبُ إِلَى الْغَدْرِ.
فَعَلِمَ أَنَّهُ عَاقِلٌ فَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ مِنْكَ ارْتِفَاعَ مُلْكِكَ لِثَلَاثِ سِنِينَ عَاجِلًا وَنِصْفَ الِارْتِفَاعِ لِكُلِّ سَنَةٍ. قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ وَلَكِنِ اسْأَلْنِي كَيْفَ حَالِي، قَالَ: كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: أَكُونُ أَوَّلَ قَتِيلٍ لِمُحَارِبٍ وَأَوَّلَ أَكْلَةٍ لِمُفْتَرِسٍ. قَالَ: فَإِنْ قَنِعْتُ مِنْكَ بِارْتِفَاعِ سَنَتَيْنِ؟ قَالَ: يَكُونُ حَالِي أَصْلَحَ قَلِيلًا. قَالَ: فَإِنْ قَنِعْتُ مِنْكَ بِارْتِفَاعِ سَنَةٍ؟ قَالَ: يَبْقَى مُلْكِي وَتَذْهَبُ لَذَّاتِي. قَالَ: وَأَنَا أَتْرُكُ لَكَ مَا مَضَى وَآخَذُ الثُّلُثَ كُلَّ سَنَةٍ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُكَ قَالَ: يَكُونُ السُّدُسُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْبِلَادِ، وَالسُّدُسُ لِي، وَالثُّلُثُ لِلْعَسْكَرِ، وَالثُّلُثُ لَكَ. قَالَ: قَدْ قَنِعْتُ مِنْكَ بِذَلِكَ. فَشَكَرَهُ وَعَادَ، وَسَمِعَ الْعَسْكَرُ بِذَلِكَ فَفَرِحُوا بِالصُّلْحِ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ مَلِكُ الصِّينِ بِعَسْكَرٍ عَظِيمٍ أَحَاطَ بِعَسْكَرِ الْإِسْكَنْدَرِ، فَرَكِبَ الْإِسْكَنْدَرُ وَالنَّاسُ، فَظَهَرَ مَلِكُ الصِّينِ عَلَى الْفِيلِ وَعَلَى رَأْسِهِ التَّاجُ، فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَرُ: أَغَدَرْتَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أُطِعْكَ مِنْ ضَعْفٍ وَلَكِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ مُقْبِلًا عَلَيْكَ أَرَدْتُ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ، وَالْقُرْبَ مِنْهُ بِالْقُرْبِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَرُ: لَا يُسَامُ مِثْلُكَ الْجِزْيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَضْلَ وَالْوَصْفَ بِالْعَقْلِ غَيْرَكَ، وَقَدْ أَعْفَيْتُكَ مِنْ جَمِيعِ مَا أَرَدْتُهُ مِنْكَ وَأَنَا مُنْصَرِفٌ عَنْكَ. فَقَالَ لَهُ مَلِكُ الصِّينِ: فَلَسْتَ تَخْسَرُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِضِعْفِ مَا كَانَ قَرَّرَهُ، وَسَارَ الْإِسْكَنْدَرُ عَنْهُ مِنْ يَوْمِهِ وَدَانَتْ لَهُ عَامَّةُ الْأَرَضِينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَمَلَكَ التُّبَّتَ وَغَيْرَهَا.

اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 251
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست