اسم الکتاب : العرب في العصور القديمة المؤلف : لطفي عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 348
وأصبحت ولاية رومانية في أوائل القرن الثاني وظلت كذلك حتى الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ولكنها مع ذلك نظرًا لموقعها الحدي بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية كانت ولاية من نوع متميز بعض الشيء فلم ترسل روما ولاة رومانيين إليها، وإنما كان حكامها من أبنائها المحليين الذين أبدوا ولاءً غير عادي لروما في التصدي لمحاولات التوسع الفارسية على حساب الحدود الرومانية الشرقية. وفي ظل هذا الوضع المتميز وصلت تدمر إلى قمة ازدهارها الاقتصادي بين 130 و270م، وبخاصة بعد أن نشطت طريق التجارة البرية الآتية من الصين إلى الغرب مارة بهذه المدينة وهو ازدهار مَكَّن مملكة تدمر من أن توسع حدودها فلم تعد قاصرة على العاصمة والقرى أو المدن الصغيرة الواقعة بقربها وإنما اتسعت منطقة نفوذها، كمكافأة من الإمبراطور، لتشمل سورية وشمالي شبه الجزيرة العربية. ولكن حين حاولت الزبَّاء أو زينب "زينوبيا zenobia عند الرومان" أن تستغل موقعها الحدي بين الشرق والغرب وتتفاهم مع الفرس وتعتمد على هذا التفاهم لتحصل على مناطق توسع جديدة في آسيا الصغرى ومصر اجتاحت القوات الرومانية هذه المملكة ودمرت عاصمتها في 272م واختفت من فوق المسرح التاريخي ونسيت خرائبها حتى بدأ الرحالة وعلماء الآثار ابتداء من القرن الثامن عشر في اكتشافها وتكوين صورة تتضح يومًا بعد يوم عن تاريخها وحضارتها[6].
كان هذان، إذن، مثالين من النوع الثاني للتكوينات السياسية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية، وهو النوع الذي اتخذ شكل الإمارة أو المملكة الصغيرة. وقد قامت المملكة الأولى وهي مملكة الأنباط، كما رأينا، [6] dussaud: ذاته، صفحات 71-188. كذلك m. cary: Ahistory of rome, "london 1960" ط1, صفحات 724, 725، 728.
اسم الکتاب : العرب في العصور القديمة المؤلف : لطفي عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 348