responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العرب في العصور القديمة المؤلف : لطفي عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 256
العنصر أو العامل التجاري النشط كما كانت الحال عند الآراميين الذين انتشرت لغتهم نتيجة لنشاطهم التجاري فحسب رغم أن السيادة العسكرية والسياسية كانت في أيدي حكومات لشعوب أخرى سواء من الآشوريين أو البابليين أو الفرس.
وأنقل الحديث الآن إلى مناقشة المنكرين لوجود الشعر الجاهلي فيما يخص الشعر ذاته، وأول نقطة في هذا الصدد تتصل بالرأي القائل: إن الشعر العربي لا يمكن أن يسبق نزول القرآن الكريم بل لا بد أن يكون لاحقًا له طالما أن القرآن قد تضمنت بعض عباراته شيئًا من الإيقاع أو الوزن، بينما الشعر كله موزون، وذلك تمشيا مع افتراض مؤداه أن تطور الفن الأدبي يسير من غير المنتظم إلى المنتظم. والرد الذي أقدمه هو أن هذا الافتراض لا يتمشى مع الظواهر الأدبية أو الاجتماعية المؤكدة. فمن ناحية الظواهر الأدبية نجد أن الشعر أسبق في الظهور في المجتمعات من النثر, ودليلنا على ذلك هو ملحمتا الإلياذة والأوديسية التي أسلفت الإشارة إليهما، فقد كانت هذه الأشعار هي أول بادرة في أدب اليونان، وكانت ثاني هذه البوادر ملحمتان شعريتان أخريان هما "الأعمال والأيام" و"سلالة الآلهة" للشاعر هزيودوس[20], ولم ينضج النثر الفني عند اليونان إلا بعد ذلك بعدة قرون. والسبب في سبق الشعر على النثر هو أن الشعر بوزنه "أو إيقاعه" وقافيته أقرب إلى الالتصاق بالذاكرة من النثر إذ هو يساعدها على استيعابه أكثر مما يفعل الكلام المنثور, والسبب الثاني هو أن الإيقاع أقرب إلى الفطرة. ودليلنا الاجتماعي على ذلك هو أن المجتمعات البدائية كانت ولا تزال تعبر عن نفسها برقصات إيقاعية، والإيقاع الذي تمثله الدقة والحركة في الرقص هو ذات الإيقاع الذي يمثله الوزن في الشعر.

[20] يعود نظم ملحمتي هزيودوس إلى ما بعد ملحمتي هوميروس بنحو قرن على الأكثر. راجع حاشية 1 في الباب السادس من هذه الدراسة.
اسم الکتاب : العرب في العصور القديمة المؤلف : لطفي عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست