اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 88
أن بعضها كانت مقابر ملكية فعلًا لتميزت هذه المقابر الملكية عما سواها باتساعها وبأسلوب بنائها.
ب- أن المقابر الأبيدية تضمنت نصبًا حجرية نقشت عليها أسماء أصحابها، وامتازت الملكية منها بضخامتها وصلابة أحجارها ووضوح نقوشها، ودل بعضها على ذروة عالية في براعة النقش ومهارة الصناعة[1]، ولم تتضمن مقابر سقارة أمثالها.
ج- ما سنذكره بعد قليل من أنه عثر داخل المقبرة المنسوبة إلى الملك جر ثاني ملوك الأسرة الأولى في أبيدوس، على ذراع آدمية كفنت بالكتان وتحلت بأربع أساور، ومن المرجح أنها كانت ذراع زوجة جر وأنها هي كل ما تبقى من جسدها، كما أن بعض أختام المقبرة حملت اسمها وألقابها[2]. وإذا صح هذا الترجيح، كان معناه أن المقبرة الأبيدية خصصت للدفن فعلًا، ولم تكن مجرد ضريح رمزي، وربما دفن جر نفسه فيها أو بقربها، حيث لم يكن من المقبول أن تدفن زوجته في أقاصي الصعيد، ويدفن هو قرب رأس الدلتا.
واحتفظت بعض المقابر السابقة بما عبرت به عن الشوط الواسع الذي قطعته المهارات الفنية في عصرها. فاحتفظت مقبرة حماكا في سقارة بعدد من أقراص كبيرة وصغيرة من الألباستر والشست تعتبر بصناعتها ورقتها وزخارفها آية لرقي الصناعة في عصرها، وصناديق صغيرة مطعمة، وسهام وحراب، وأوان للمشروبات والزيوت التي اعتقد صاحبها أنه سوف ينتفع بها في أخراه. واحتفظت مقابر أخرى في حلوان من نهاية العصر نفسه بكئوس وطاسات من الصخر البللوري تكاد تكشف سطوحها الخارجية عن دواخلها، وانثنت أطرافها إلى الداخل والخارج كما تنثني أوراق الرسم المقواة الحالية، وبلغت حدًّا من الرقة والروعة قل أن فاقته صناعة أمثالها في العصور الأخرى، واحتفظت أيضًا بكأس صغيرة مصمتة قلدت هيئة زهرة اللوتس الملونة، وصحاف من الشست قلدت هيئة أوراق التين، وأخرى قلدت هيئة صحاف الخوص المحدولة، وكل ذلك مما ينم عن حذف صناعتها وسلامة أذواقها كما ينم عن ترف أصحابها.
وقطعت صناعة الحلي نفس الشوط، وأمتع ما يستشهد به من روائعها هي الأربع الأساور التي وجدت في أبيدوس ونسبت إلى زوجة الملك جر، وقد صيغت حباتها ووحداتها من الذهب والفيروزج والجمشت على هيئة زهيرات رقيقة وحبيبات كرية وحبيبات قلدت قطرات الماء، ووحدات قلدت هيئة واجهات القصور الملكية. ثم حليات أخرى ذهبية رقيقة وجدت في نجع الدير وقدت هيئات وعول وعجول مدللة أحاط أصحابها أعناقها بتمائم لطيفة.
والخلاصة أن وسائل أهل عصر بداية الأسرات في النشاط الداخلي كانت وسائل عدة، اتجهوا فيها إلى استغلال موارد البلاد الطبيعية استغلالًا يفوق ما كانت تستغل به قبلهم, وحولوا توحيد طابع الحضارة الفنية والمعمارية لمصر كلها وصبغها بصبغة واحدة متجانسة، وعملوا على تجميع الكفايات الإدارية والفنية [1] Petrie, Royal Tombe, I, Frontispiece, Ii, XXXI; Abydos, I, Pls. V, XIII. [2] Petrie, R. T. Ii, Frontispiece, Pp. 16-17, Pl. Iv, 7.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 88