اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 67
أفقي، وكان رمزًا لأكبر أقاليم شرق الدلتا في العهد نفسه، ويستدل من اجتماع الرمزين الكبيرين في صعيد واحد على اتحاد شرق الدلتا وغربها في مملكة واسعة خلال العهد الذي نقشت الصلاية فيه أو فيما قبله بقليل. ولعله كان يحدث من حين إلى آخر أن يخرج عظماء الإقليمين الكبيرين في هذه المملكة في رحلة صيد يحيون بها ذكرى كفاح أسلافهم الأوائل في إبادة الوحوش التي كانت تهدد أرضهم.
صلاية الأسد والعقبان: نقشت هذه الصلاية على وجهها وظهرها[1]. وتوسط وجهها، أو بمعنى أصح توسط ساحة القتال المصورة على وجهها أسد ضخم غضوب يمزق صدر عدو عار يتلوى جسده على الأرض في قسوة بالغة، وتوزعت حول الأسد وفريسته بقية مفردات المعركة. فترامى بجانبه ومن تحته أفراد من الأعداء، عراة بلحى طويلة وشعور مفلفة، وظهر منهم من تلوى جسده على الأرض وكأنه لا يزال يعاني سكرات الموت، وظهر منهم من أسلم الروح وتمدد على الأرض جثة هامدة. وانقضت على جثثهم جميعًا أسراب من كبار الجوارح وصغارها، عبر الفنان عنها بعدد من العقبان وعدد من الغربان، فأخذت تنهش أيديهم وأرجلهم وتفقأ عيونهم وتنقر رءوسهم .. ثم جمع مفردات مناظره في وحدة تصويرية واحدة توسطها الأسد وفريسته، دون أن يفصل بين جزء منها وآخر بفواصل أو خطوط، على الرغم من أنه احتفظ لكل شكل فيها بفرديته واضحة، واحتفظ لكل مجموعة صغيرة فيها بدلالتها واضحة، ونجح في التعبير عن قسوة الأسد في ملامح وجهه، وعن ألم المنهزمين في تلوي أجسادهم، وعبر عن فكرته في زعيم قومه أو ملك قومه أروع تعبير، وجعل صوره رسومًا مقروءة تفهم العين مدلولها بأقل مجهود، ثم خصص ظهر الصلاية لوحدة زخرفية ألف فيها بين نخلة باسقة وزرافتين وطائرين في توفيق لطيف[2].
تركت التطورات السياسية أثرها في حياة ممالك ما قبل الأسرات، ووجدت الفنون مجالات طيبة في رحاب ملوكها الصغار، فارتقت رقيًّا نسبيًّا من حيث الصناعة والذوق والمهارة وحسن اختيار المادة، كما وجدت في أخبار حروبهم ومشروعاتهم مادة دسمة لموضوعاتها.
فواصل فن التماثيل طريقة في حدود إمكانيات مجتمعه، وتجرأ أصحابه على نحت بعض تماثيلهم الصغيرة من الحجر، اللين منه والصلب، وكان الحجر أصلح المواد من غير شك لضمان خلودها؛ فذللوا صخر البازلت لصناعة تماثيل إنسانية صغيرة، عثر على تمثال منها بلغ طوله نحو 40سم، مثل رجلًا وافقًا ذا لحية مستعارة طويلة، يرتدي حزامًا يتدلى منه قراب سميك لستر العورة. ولم يستطع صانع التمثال أن يحقق التناسب بين أجزاء تمثاله، ولكنه حاول أن يعبر عن تفاصيلها، فمثل عظام الركبتين وأظافر اليدين واستدارة [1] Legge, Op. Cit., Pl. Vi ;Bénédite, Op. Cit., Figs. 8-18; E. Peet, Jea, Ii, 93 F.; Cottevielle-Givandet, Bifao, 1933, Pl. Xiii; Vandior, Op. Cit. [2] شاع أسلوب هذه الزخارف الشجرية والحيوانية في فن بلاد النهرين، وأوحى ذلك باحتمال استيحاء الفنان المصري صوره من نموذج عراقي، ولكن P. Gilbert دفع هذا الاحتمال بملاحظة أن الزراف الذي استحب المصريون تصويره على صلاياتهم حيوان إفريقي غير آسيوي.
Chr. D' Egypte, 1947, 37 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 67