اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 461
الخدين ودقة تمثيل ركن العين ومسطحات الجفنين وخطوط الشفتين وتعبيرهما عن شخصية صلبة مجربة[1].
وعبر النقش عن جانب التقوى في شخصية حمورابي في صورته أمام ربه شمش في الجزء العلوي من النصب الكبير الذي سجلت تشريعاته عليه. فصوره واقفًا بعباءة محبوكة انسابت خطوطها المشدودة مع خطوط جسده، يحيي مولاه برفع يده ويواجهه في هيئة المقدر لجلاله، ولكنها مواجهة كريمة تشبه مواجهة الوزير لمليكه. وصور المعبود شمش نفسه أقرب إلى عالم الدنيا منه إلى عالم الخيال، لولا لحيته شديدة الكثافة والطول، وتاجه الطريف ذو الأربعة أزواج من القرون، وألسنة اللهب التي تشع من كتفيه. وصوره يمسك بالعصا والحلقة رمزي العدالة، وكأنه مع حمورابي أشبه برجلين متحدث ومستمع، وإن بدت شفتاهما مطبقتين. واستطاع الفنان أن يوازي بين جلسة المعبود وبين وقفة الملك، بالجمع بين استقامة جذع الإله واستقامة عصاه وبين استقامة جسم الملك[2].
وثمة تمثال برونزي صغير ذهب إلى أبعد من ذلك في تمثيل العلاقة بين الإنسان وربه، وهو لشيخ ربعة يركع على ركبته اليمنى ويقيم اليسرى، ويضم مجمع ثوبه بيده اليسرى ويجمع أصابع يمناه ويقربها من شفتيه كأنه يدعو بها أو يتمنى. والطريف أن نفس حركة اليد على الفم لا زال يؤديها بعض المسلمين حين الدعاء خلال الاستماع إلى أذان الصلاة .. وقد عبرت شفتا صاحب التمثال عن استبشاره باستجابة ربه لأمنيته. ولا يخلو التمثال من عيوب يسيرة تتمثل في اتساع العينين وقلة تناسق الجزء الأسفل من الساق مع بقية الجسم، ولكنه في مجمله رائع التعبير، وغشي وجهه ويداه برقائق ذهبية، وثمة احتمال بتمثيله للملك حمورابي نفسه. وقد تكررت هيئته نقشًا على قاعدته وسجل نص معه يذكر إهداءه إلى المعبود أمورو "من أجل حياة حمورابي"[3].
وكشفت الأبحاث الأثرية عن أطلال مشرقة من أحياء مدينة بابل في عهد حمورابي، قامت فوقها مباني قرى القصر وتل عمران والمركز الحالية. وشيدت بيوتها على نسق البيوت التي سبقت عهده، فبنيت أساساتها ومداميكها السفلى من الآجر؛ بينما شيدت مداميكها العليا من قوالب اللبن العادية. وكشفت الأبحاث كذلك عن أطلال بعض أحياء مدينة أكد من العهد نفسه؛ ويفهم منها أنها خضعت لتخطيط منظم وتميز فيها طريق مقدس يؤدي إلى معبد إشتار "عشتار" ووازته بضعة شوارع رئيسية تعامدت عليها شوارع أخرى[4].
وارتفع شأن مردوك معبود بابل بارتفاع شأن مدينته، وكان يعتبر من قبل ولدًا للمعبود إنكي، ثم تعمد البابليون تعظيم شأنه ليكفلوا لمدينتهم زعامة دينية إلى جانب زعامتها السياسية وبحيث تنافس المدن الدينية الأخرى القديمة؛ فنسبوا إليه هزيمة التنين تيامة "رمز ملوحة البحر وأخطاره" وأضافوا أن انتصاره هذا [1] توجد الرأس بمتحف اللوفر - ويبلغ ارتفاعها نحو 15 سم.
See, Frakfort, The Art And Architecture…, Pl. 163. [2] Cf. H. A. Corenewegen-H. Frankfort, Arrest And Movement…, 168 F. [3] في متحف اللوفر - وارتفاعه نحو 20 سم.
See, Frankfort, The Art And Architecture…, Pl. 64. [4] ديلابورت: المرجع السابق - ص49 - 50.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 461