اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 452
أوروك وإسين ومالحي ورابيكوم وغيرها، ولعله أراد بانتصاراته عليها أن يحد من نفوذ أعنف منافسيه ريم سين ذي الأصل الإلام وآخر ملوك لارسا عليها حتى يتفرغ له. وكان ريم سين كفئًا لمشاكل عهده بحيث ظل يناوئ حمورابي حتى العام الثلاثين من حكمه، وبحيث كتب أحد أعوان ملك دويلة ماري رسالة إلى ملكه يكشف له فيها عن أوضاع العراق، قائلًا له: "ليس هناك ملك واحد يمكن أن يقال عنه إنه أقوى الجميع، فإن عشرة أو خمسة عشر حاكمًا يتبعون حمورابي "ملك" بابل، ومثل هذا العدد يتبعون ريم سين "ملك لارسا"، ومثلهم يتبعون إبعل بي إيل "ملك" إشنونا ... إلخ"[1].
وشيئًا فشيئًا إطمأن حمورابي إلى متانة موقفه وسلامة ظهره، وتفرغ من ثم لملك لارسا وحلفائه، فمال ميزان القوى إلى جانبه منذ العام الثلاثين من حكمه، حتى فر ريم سين إلى منطقة إيموتيبال مسقط رأس أسرته، وتتبعته الجيوش البابلية إليها، ثم واصلت انتصاراتها فيما يليها من أرض إلام وسيطرت على جزء منها. ويبدو أن الأمر كان كذلك فيما بين البابليين وبين إشنونا وسوبارتو، بحيث رددت حوليات حمورابي ذكر اسميهما مرات كثيرة. وعندما آتت جهود حمورابي وجيوشه ثمارها، استقرت زعامة دولته في العراق فاعترفت بنفوذها آشور في الشمال وإن لم تنطوِ تمامًا تحت سلطانها. وماري في الغرب، وخضعت لها أغلب المناطق الجبلية الشمالية والشمالية الشرقية.
وكشفت نصوص حمورابي عن جانب من سياسة الحرب في عهده، ومنها هدم أسوار المدن التي يخشى بأسها[2]، وتقوية أسوار المدن الموالية له في المناطق الإستراتيجية الحساسة "وسميت بعض هذه الأسوار بأسماء أرباب مدنها"[3]، والعمل على رعاية تماثيل أربابها بعد الاستيلاء عليها، حتى تكون سبيلًا لاستمالة مشاعر أتباعها. وكان من ذلك أن ذكر أحد نصوصه أنه أعلى كلمة الربة إنانا في نينوى وأعاد لمدينة آشور حصانتها[4]. أو لتحملها جيوشه معها باعتبارها موالية لها حين تعاون غزو مناطقها فتيسر لها مهمتها. وكانت رعاية هذه التماثيل تستتبع رعاية من يرافقونها من كهنتها وكاهناتها وإحياء أعيادها في معابد بابل نفسها ... [5].
واتبع حمورابي سياسة التحالف مع المدن القوية دون الإصرار على إخضاعها، أو على أقل تقدير حتى تسنح له فرصة إخضاعها. ويذكر من هذا القبيل تحالفه مع دويلة ماري، تحالفًا ظل هو الجانب الأقوى فيه، واستعان معه بها على بعض أعدائه[6]، حتى إذا ما ضعفت ماري نفسها تحت ضغط أعدائها أخضعتها جيوشه وضمتها إلى دولته، وهو ما كان يعتبر من حسن التدبير من وجهة نظر أنصاره، ويعتبر سمة للغدر من وجهة نظر خصومه. وكان من الطبيعي أن يلازم الاهتمام بالحروب في عهده اهتمام آخر برضا آلهة دولته الساميين والسومريين الذين رد إليهم تأييده ونصره، وبخاصة آنو وإنليل ومردوك. وتمثل هذا الاهتمام في [1] Dossin, Syria, Xix, 177 F. [2] A. Ungand, Op. Cit., Nr. 25. [3] Ibid., No. 19, 20, 21. [4] See, Anet, 165. [5] Leonard W. King, The Letters And Inscriptions Of Hammur Abi, No. 34, 45. [6] W.F. Albright, Anet, 482; C. Jean, Archives Royales De Mari, Ii, No. 22.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 452