responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 45
والمربع، وشكلوا مقابضها بأشكال حيوانية وحلزونية طريفة[1]، وكل ذلك على الرغم من أنهم عاشوا قبل عصرنا الحاضر بأكثر من ستة آلاف عام.
واتجهت أذواقهم إلى الفن التشكيلي، أي فن التماثيل، وتخلفت في مقابرهم سبعة تماثيل نسائية صغيرة: أربعة من الصلصال واثنان من الفخار، وسابع من العاج. وقد اختلفت صناعتها بين البداوة وبين الإتقان باختلاف مهارة صناعها واختلاف أغراضها واختلاف المواد التي صنعت منها. وأبرعها تمثال من الفخار الملون لفتاة عارية بلغ تناسق جسمها حدًّا واضحًا من الإبداع لولا بروز عجزها الذي يحتمل أنه قصد لذاته، ولولا عدم تشكيل كفيها[2]. وكان تمثالها فيما يغلب على الظن واحدًا من التماثيل التي اقتناها أصحاب الذوق السليم لوجه الفن وحده. وقد ضاع للأسف رأسه وجزء من ساقيه. وتمثال من العاج لفتاة عارية أيضًا كانت عيناه مرصعتين بمادة أخرى مثل المحار الأبيض أو قشر بيض النعام، وحاول صاحبه أن يظهر تفاصيله الدقيقة مثل فتحتي الأنف وإنسان العين وفارق الشعر من الخلف[3]. وقد نرى في صناعة البداريين لبعض تماثيلهم من العاج ما يدل على رخاء مجتمعهم رخاءً نسبيًّا، وما يتفق مع رقي أذواقهم الذي دل عليه ما تخلف لهم من الملاعق والأمشاط، لولا أن تمثالهم العاجي الباقي هذا، تنقصه سلامة النسب التي ظهرت في تمثال الفخار، وتعيبه ضخامة الرأس وكبر الأنف واتساع محجري العينين بالنسبة إلى بقية جسمه. وقد يرجع ذلك إلى حداثة اشتغال صاحبه بنحت العاج. وقلد البداريون تشكيل هيئة الحيوان كما قلدوا هيئة الإنسان واستغلوا العاج، ويحتمل أنه عاج فيلة كانت لا تزال تغشى أرضهم، في صناعة أواني صغيرة، بعضها أسطواني، وبعضها كري، وبعضها مستطيل، وبعضها مزخرف بصفين من الحبيبات البارزة الدقيقة. وكانت أمثالها على الرغم من بساطتها، تعتبر في عصرها من تحف الزينة وتخصص لحفظ المساحيق والعجائن الثمينة. ونسبت إليهم آنية صغيرة ممتعة من العاج شكلوها على هيئة فرس النهر وجعلوا فتحتها فوق ظهرها.
وعلى أية حال، فإن ما يمكن الخروج به من ذكر ما أسلفناه للتاسيين والبداريين في عادات الدفن وزخارف الفخار وحلي الزينة وتشكيل التماثيل، هو أن ما اشتهرت به العصور التاريخية المصرية من الإيمان بحياة أخرى، ومن المهارة الصناعية والذوق الفني المرهف وحب الزخرف، كل هذا نبتت بذوره في أرض مصر وبأيدي أهلها وامتدت جذوره إلى ما قبل عصورها التاريخية بقرون طويلة.

[1] Bad. Civil., Pl. Xxii; Mostagedda, Pl. Xxiv.
[2] Bad. Civil, 28, Pl, Xxv, 6-7.
[3] Ibid, 29, Pl. Xxv, 3-4.
في حضارة نقادة الأولى:
استمر التطور الحضاري في طريقه بعد عهد البداري، فزاد المصريون من استخدامهم للنحاس وارتقوا رقيًّا نسبيًّا بمساكنهم وبزخارف فخارهم، ومارسوا فن النقش، كما ارتقوا بصناعة الخناجر والأسلحة من
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 45
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست