اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 401
الفنون:
استمر عصر بداية الأسرات السومري أكثر من خمسة قرون، غابت الوحدة السياسية في أغلبها عن آفاق أهله كما مر بنا، ولهذا كان من منطق الأشياء أن تتعدد الأساليب الفنية خلاله بتعدد دويلات مدنه وتعدد أذواق أهلها وحكامها، لولا أن غياب الوحدة الفنية الكاملة عن أرض سومر لم يمنع من شيوع أساليب معينة منها على حساب أساليب أخرى من حين إلى حين، وذلك نتيجة لتبادل المصنوعات الفنية الصغيرة بين المدن، كالأختام الأسطوانية المنقوشة، وتحف المعابد مثل رءوس المقامع الرمزية وقوائم المباخر والموائد الفاخرة التي كانت تشكل بأشكال حيوانية وزخرفية لا تخلو من جمال.
واستشهدنا فيما مر بنا من تاريخ السومريين بما اقتضاه سياق الحديث عنهم من دلالات مناظر النصب ونصوصها، وتطور فنون عمارة المعابد الأرضية والزقورات، وسوف نتابع الحديث في الصفحات التالية عن صور أخرى من نقوش الأختام والمقامع والأواني واللوحات الصغيرة التي شاعت في عصرهم من حيث أساليبها العامة ونماذجها الممتازة، ومختارات من تماثيل الحكام والمعبودات، فضلًا عن خصائص المساكن ومحتويات المقابر.
فقد شاع في مناظر أختام الفترات الأولى من عصر بداية الأسرات السومري، أسلوب نقش تخطيطي بارز اكتفى فنانه بتصوير الخطوط العامة للأجسام، واعتمد فيه على تكرار وحدات محدودة كان يستغل ما بينها من فراغات لتصوير أشكال نباتية وتجريدية عديدة. وانعكس صدى هذا الأسلوب على نقوش الأواني الحجرية ورسوم الأواني الفخارية، وقرب في الاصطلاح الفني إلى ما يسمى باسم Brocade Style[1] وكان نماذجه الأولى قد ظهرت منذ بواكير العصر الكتابي ثم اختفت حتى ظهرت ثانية في أوائل عصر بداية الأسرات السومري، ويبدو أن تجدد ظهوره حينذاك ارتبط بقرب تأثر أهله بفنون مواطنهم الأولى، أكثر من ارتباطه برغبتهم في إحياء أسلوب عراقي قديم.
وتطورت نقوش الأختام بعد ذلك في أواسط عصر بداية الأسرات السومري، وتميزت بتعدد موضوعات مناظرها وتداخل صورها وتقاطع أجزائها مع بعضها البعض، واستغلال ما بينها لتصوير رءوس حيوانية [1] See, Frankfort, The Art And Architecture…, 18-20, Fig. 8, Pl. 11 A.
وتعين على السومريين منذ ذلك الحين أن منذ أواسط القرن الرابع والعشرين ق. م أن يتمهلوا مع الزمن حتى أتيحت لهم فرصة الظهور والغلبة مرة أخرى بعد أكثر من قرنين.
بيد أن السومريين وإن عز عليهم التوسع السياسي الكبير خارج حدودهم، فإن حضارتهم لم يعوزها الانتشار السلمي الواسع، فمدت جناحيها عن طريق التجارة على ضفتي الدجلة والفرات، وتركت بصماتها على فنون دويلة آشور ودويلة ماري وأطراف الشام الشرقية[1]. [1] See, M. Mallowaa, Iraq, Ix “1947”; Parrot, Syria, Xvi-Xvii “1935-6”; Revue D’assyriologie, Xxxi “1934”, 180 F.; W. Andrae, Die Archaischen Ischtartemple In Assur, Leipzig, 1922.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 401