responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 350
بعضهم لبعض، ولكن الرجل كان في وادٍ آخر، وظل مهمومًا يتخوف عاقبة فشله، فانبرى الملاح يسري عنه ويهون عليه ويبعث الأمل في نفسه، وقص عليه قصة تداولت عليه فيها شدائد ظن أن لا نجاة له منها، ولكنه نجا وسلم ثم وعاد إلى وطنه واستمتع باجتماع شمله بأهل بيته[1].
وروى له في قصته أنه خرج بسفينة كبيرة بلغ طولها مائة وعشرين ذراعًا وبلغ عرضها أربعين ذراعًا، واستلقها معه مائة وعشرون بحارًا وصفهم له بأنهم كانوا من خيرة ملاحي مصر، وأنهم خبروا السماء والأرض، وأن قلوبهم كانت أشد من قلوب الأسود، وكانوا يتنبئون بالريح قبل أن تقبل بالعاصفة قبل أن تحدث، ولكن حدث لهم ما لم يتوقعوه فدهمتهم العاصفة وهاجت أمواج البحر وارتفعت نحو ثمانين أذرع، فغرقت السفينة بمن فيها، ولم ينج منها غير راوي القصة الذي ألقت الأمواج به على جزيرة في أقصى الأخضر الكبير "أي في أقصى البحر الأحمر"، فقضى فيها ثلاثة أيام في دغل لا أنيس له فيه ولا معين. ثم اتخذ طريقه في أرضها فوجد فيها خيرات لا تحصى من الفواكه والطيور والأسماك، فطعم وشرب، ولم ينس أربابه فأشعل نارًا وقدم عليها قربانًا. وإذ هو كذلك سمع دبيبًا قاصفًا يقبل عليه، فغشيه من الخوف ما غشيه، ولما استمسك وجد أفعوانًا ضخمًا طوله ثلاثون ذراعًا ويزيد أثر دبيبه على الأرض عن المترين عرضًا، وكان جسده مغشى بالذهب وحاجباه بلون الزبرجد، فانبطح البحار على بطنه فرقًا وإجلالًا، وتوجه الثعبان إليه وسأله عن حاله وعما أتى به إلى جزيرته التي يحف الموج بها، فاستبد الخوف بالرجل وفقد السمع والقدرة على الكلام. وجمله الثعبان في فمه إلى جحره وترفق به حتى أفرغ روعه ثم أعاد عليه سؤاله فقص الرجل عليه قصته بتمامها .. ، وهنا هون الثعبان عليه القضية، وذكره بآلاء ربه الذي قدر له الحياة وأرساه على "جزيرة الروح" ثم بشره بأنه سيعود إلى وطنه، وأن سفينة مصرية سوف تأتي إليه بملاحين يعرفهم، ولكن بعد أربعة أشهر، فيرجع معهم إلى بلده ويموت فيها.
واستأنس الثعبان بالرجل، وأراد أن يهون عليه أمره، فقال له: "ما ألذ أن يروي الإنسان ما ذاقه بعد انقضاء محنته"، ثم قص عليه قصته فإذا ببلواه لا تقل عن بلواه، وروى له أنه عاش مع إخوته وأولاده في الجزيرة، وكانت عدتهم سبعة وثلاثين، عدا طفلة صغيرة رزقها بعد أن ارتجاها ودعا بها، ولكن نجمًا هوى من السماء فاحترقوا بناره، ولم ينج سواه، فكاد يموت حزنًا عليهم بعد أن وجدهم كومة هباء. وأبى الثعبان أن يعكس حزنه على ضيفه فشجعه وقال له: "إذا تشجعت وشددت قلبك فلسوف تملأ حضنك بأولادك، ولسوف تقبل زوجتك وترى دارك، وأجمل من ذلك كله أنك سوف تبلغ العاصمة التي كانت تعيش فيها بين إخوانك".
وأكبر الملاح الثعبان، فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه، ونذر على نفسه ليبلغن أمره إلى الفرعون حين يعود إلى وطنه ويعمل على تقديم القرابين والبخور باسمه وإرسال السفن إليه بخيرات بلده. فتبسم الثعبان ضاحكًا من قوله، وأفهمه أنه بذاته سيد بلاد بوينة وأن بخورها ملكه. ثم انقضت الأربعة الأشهر، وتحقق

[1] Gobenischeff, Le Conte Du Naufrage; Erman, Op. Cit., 57 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 350
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست