اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 345
ويصطحب معه عددًا من العذارى ويطلق البصر فيما أفاءه النيل على جانبيه من خضرة وخير عميم. وعمل سنفرو بالنصيحة واصطحب في قاربه الكبير عشرين عذراء، وعهد إليهن بالتجذيف والغناء، فاصطففن على جانبي القارب وجذفت كل منهن بمجذاف من الأبنوس المرص بالذهب، كما روت القصة، وانطلقن في التغريد والتجذيف، وكان كل منهن تحلي جبهتها بإكليل تزينه حلية على هيئة السمكة، وتهدل شعر رئيستهن على وجهها فأزاحته بيدها، وعندئذ سقطت حليتها في الماء فسكتت عن الغناء وسكتت بعدها الباقيات، ولما سألها الملك عن علة سكوتها، قصت عليه أمرها فوعدها بأن يعوضها عن حليتها بما هو خير منها ولكنها أبت إلا حليتها، فأسقط في يد سنفرو، واستدعى كبير الكهنة المرتلين، وقال له جاجا معنخ يا أخي، حدث كذا وكذا، فاستجاب الكاهن لطلب مولاه، واستعان بسحره فطوى ماء النهر على جانب كما ذكرت القصة، واستخرج الحلية وردها إلى صاحبتها[1].
تلك قصة داخلها التهويل والتنميق، من غير شك، ويعنينا الرمز فيها إلى حياة الرفاهية التي عاشها صاحبها، وأن قصاصها لم يتخيل ملكه ربًّا مطلقًا قادرًا مقتدرًا، كما اعتادت النصوص الرسمية أن تصف ملوكها ولم يجد بأسًا في أن يصوره عاجزًا عن أن يفعل بعض ما يستطيع كاهن من رعيته أن يفعله، وأن هذا الملك وإن خاطبه رعاياه بلقب الربوبية إلا أنه لم يكن يعتقد في نفسه الربوبية الفعلية بحيث لم يكن من المستبعد عليه تبعًا لذلك أن يخاطب أهل العلم في عصره بلفظ الأخوة كما خاطب كاهنه المرتل.
ورمزت قصة الثانية إلى ما رمزت إليه الرواية الأولى من تواضع سنفرو وشغفه بمجالسة العلماء، فذكرت أن سنفرو "الملك الفاضل" أمر حامل أختامه أن يستدعي إليه أعضاء بلاطه ذات صباح وطلب إليهم أن يشيروا عليه بولد حكيم أو أخ ماهر أو صديق أدى أعمالًا باهرة حتى يحدث بمواعظ قصيرة أو حديث لطيف يلتذ بسماعه. فسجد الرجال في حضرته وأشاروا عليه بكاهن مرتل من تل بسطة يدعى "نفررحو" أي زين الرجال، وصفوه له بأنه مواطن طويل الباع شديد الإرادة كاتب طلق الأصابع ذو مقام يزيد ثراؤه عن ثراء أقرانه. فأمرهم بأن يستدعوه إليه، وعندما وفد الحكيم على سنفرو سجد أمامه، فقاله له الفرعون: "إلى نفررحو يا صديقي وحدثني بمواعظ مختصرة سديدة أو أحاديث طريفة أستمتع بسماعها". وسأله نفررحو "أونفرتي" "هل مما حدث أو مما سيحدث، مولاي؟ " فقال له سنفرو "بل ما سوف يحدث فإن ما حدث تم وانقضى" وعندما تهيأ نفررحو للرواية مد الملك يده إلى صندوق أدوات الكتابة وسحب منه لفاة بردي ولوحة وتهيأ للكتابة، في جلال الحكام وتواضع العلماء[2]، وسجل ما استغله أنصار أمنمحات مؤسس الأسرة الثانية عشرة فيها بعد للدعاية لعهده. كما ذكرنا من قبل. [1] Erman, Die Literatur…, 67 F. [2] Gardiner, Jea, I, 100 F.
قصة خوفو والحكيم جدي:
صورت هذه القصة خوفو صاحب الهرم الأكبر يجالس عددًا من أولاده يسامرهم ويسمع من كل واحد
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 345