responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 324
الفصل الحادي عشر: في عقائد الدين والآخرة
أولًا: عقائد التأليه
نشأتها:
أخذت الديانة المصرية حين نشأتها وفي مراحل طويلة من تاريخها بتعدد المعبودات شأنها في ذلك شأن مثيلاتها من الديانات الوضعية القديمة. ولكنها ظلت أغنى من غيرها في وفرة نصوصها، ووضوح قضاياها، وثباتها على مبادئها، ثم رقي تطوراتها التي انتقلت فيها من عقائد التعدد إلى صور مختلفة من أفكار التوحيد. ورد المصريون الأوائل كل ظاهرة حسية تأثرت دنياهم بها إلى قدرة علوية أو علة خفية تحركها وتتحكم فيها وتستحق التقديس من أجلها، الأمر الذي أفضى إلى تعدد ما قدسوه من العلل والقوى الربانية المتكلفة بالرياح والأمطار وظواهر السماء، وبجريان النيل وتعاقب الفيضانات، وتجدد خصوبة الأرض ونمو النبات، وخصائص الخصب النوعي في الإنسان والحيوان، بل والمتسببة فيما اتصفت به كل بيئة محلية في أرضهم من صفات، والمقدرة لما تميزت به حضارتهم في مجملها من خصائص سمت بها عن بقية الحضارات، كمزايا التبكير بالكتابة والحساب والحكمة والفنون وما يشبهها من آيات أكبروها فردوا خلقها ورعايتها إلى قدرات علوية سامية فاقت قدرات البشر.
وربط المتدينون بين تصوراتهم العقائدية الذهنية وبين علامات كثيرة من عالم الواقع والمحسوسات، فرمزوا إلى كل قوة عليا وعلة خفية تخيلوها برمز حسي يعبر عن سر من أسرارها ويحمل صفة من صفاتها، والتمسوا أغلب رموزهم هذه فيما عمر بيئتهم من حيوانات وطيور وأشجار وزواحف، لاحظوا أنه يتأتى عن بعضها كثير من الخير ويتأتى عن بعضها كثير من الشر، ويظهر أثر البعض منها في جهات بعينها وفي ظروف بعينها أكثر مما يظهر أثر بعضها الآخر، وهو الأمر الذي لم يكن يخلو من إعجاز كبير في نطاق تصوراتهم القديمة التي كانت في عصورها الأولى لا تزال قليلة التجارب محدودة الآفاق. وبوحي هذه التصورات رمزوا بحيوية الكبش الطلوق إلى بعض أرباب الإخصاب الطبيعي والنوعي، ورمزوا بقوة الفحل إلى شيء من ذلك وإلى قوة البأس في مجملها. ورمزوا بنفع البقرة ووداعتها إلى حنو السماء وأمومتها، ورمزوا بقسوة السباع واللبوءات إلى أرباب الحرب ورباتها، ورزمزوا بفراسة القرد واتزان طائر أبي منجل إلى إله الحكمة. ورمزوا بالحيات والضفادع إلى أرباب الأزل، ورمزوا بخصائص الصقر إلى رب الضياء وحامي الملكية، وهلم جرًّا.
وصاحبت ذلك عومل أخرى ارتبطت في أذهان الجماعات البدائية الأولى بصور فطرية من الرغبة والرهبة والخيال. كالرغبة في استمرار النفع والاستزادة من الخير من أجناس معينة من الحيوان والطير عن طريق تقديس القوى الخفية التي تخيلوها تتولى أمرها وتوجهها لغاياتها. ثم صور الرهبة المختلفة:
رهبة الخوف، ورهبة العجب، ورهبة الاستعظام، التي كانوا يستشعرونها أمام أجناس معينة من الحيوان والطير، وبالتالي تجاه القوى الخفية التي أوجدتها وزكت فيها قدراتها. وأخيرًا عامل الخيال الديني المتمثل في إيمان عامة الناس بالمعجزات والكرامات وحرفية الأساطير[1].

[1] في هذه الآراء ما يختلف عن أغلب ما فسرت به نشأة الدين المصري في المؤلفات الحديثة مما سنناقشه في كتاب آخر. وراجع: عبد العزيز صالح: قصة الدين في مصر القديمة - المجلة - نوفمبر 1958 - ص36 - 37، 43 - 44، 50 - 53.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست