responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 309
ولم يخل الأمر من منتفعين من أهل البلد أنفسهم ظنوا حسن السياسة في التسليم بالأمر الواقع ومحاولة خبت شرة الغزاة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه منهم بالتقية والمدارة. وقد نخالف هؤلاء في مذهبهم، ولكن ليس التاريخ إلا أن يثبت الأمر الواقع من تصرفاتهم. وكان منهم رجل من سايس يدعى وجاحور رسنة، روى في نصوصه، بحق أو بغير حق، أنه جمع بين عدد مختلف من التخصصات فكان من المشرفين على الأسطول في نهاية العصر الصاوي، ثم ظهر عالمًا بالدين والتقاليد خبيرًا بالطب مشجعًا للثقافات العالية راعيًا لإقليمه، في بداية العصر الفارسي. وروى أنه قابل قمبيز وأطلعه على ما أساء رجاله به إلى معابد سايس، ودعاه إلى تقوى أربابها، فاستجاب له وزار معبد الربة نيت فيها وركع أمامها، واستحق بذلك أن يصوغ له ديباجة ألقابه وفق التقاليد المصرية. ثم كان وجاحور رسنة أكثر نجاحًا، من وجهة نظره، في عهد دارا الذي استصحبه معه إلى فارس بعد زيارته لمصر، ثم أعاده منها بما رد على سايس اعتبارها وسمح له "بإصلاح قاعة دار الحياة "المتعلقة بالطب" بعد أن تخربت". وكانت دور الحياة أشبه بمعاهد للثقافات العالية في مصر القديمة. وأضاف أنه زود هذه الدار بكل دارسيها من علية القوم دون أن يكون بينهم ابن وضيع، وجعلهم تحت إشراف كل ذي معرفة حتى يتعلموا منهم فنونهم جميعها، ثم زودهم بكل نافع لهم وبكل مهماتهم التي كانت مدونة لهم، وفق ما كانوا عليه من قبل[1].
وعلى أية حال، فإذا كان وقع صدمة الغزو عنيفًا. وكانت إصلاحات دارا قد خدرت المصريين بحيث اجتذبت نفرًا منهم إلى طاعته، إلا أن نار الوطنية المغلوبة على أمرها لم تخب تمامًا تحت الرماد، فهبت خلال العصر الفارسي أربع ثورات على أقل تقدير، ارتبط أغلبها بمصائر الفرس في نزاعهم الطويل مع الإغريق، وذلك في عالم أصبحت موازين القوة والاقتصاد فيه في أيدي الفرس من ناحية والإغريق من ناحية أخرى، فبعد هزيمة الفرس في مارثون أمام الأثينين في عام 490ق. م، هبت ثورة في مصر حوالي عام 488 أو 486ق. م، وكان وقعها شديدًا على دارا الذي ظن أن الشرق طوع يمينه. ومات دارا واستمرت الثورة بضع سنوات حتى أخمدها خلفه العنيف أخشويرش "إكسركسيس" واشتط في الانتقام والاستغلال، فهجر عددًا كبيرًا من أهل الحرف إلى فارس "كما فعل الآشوريون" وفرض على مصر إعداد مائتي سفينة استغلها في قتاله ضد الإغريق، وشدد الحاميات هنا وهناك واستعان فيها باليهود، ثم عين أخاه واليًا على مصر حتى ينفذ سياسته فيها[2]. ولكن منذ ذلك الحين اهتزت السيطرة الفارسية ولم تكتمل حلقاتها مرة أخرى، فعندما حم القضاء في هذا الملك وخلفه أخوه أرتاخشاشا الأول "أرتا كسركسيس" هبت ثورة أعنف من سابقتها في عام 460ق. م، تزعمها أمير من الدلتا يدعى إرتن حر إرو بن بسماتيك "وهو إناروس في الرويات الإغريقية"، وجعل مركز مقاومته في مريوط بعيدًا بعض الشيء عن حاميات الفرس.

[1] Schaefer, Zaes, 37; Kees, Zaes, 73, 87, F.; Gardiner, Jea, 1938, 170-171; Pesener, La Premiere Domination Perse, 1 F.
عبد العزيز صالح: التربية والتعليم في مصر القديمة - القاهرة 1966 - الفصل التاسع.
[2] Herodotus, I, 35; Vii, 7, 236; Cameron, Jnes, 1958, 161 F. And See, Cowley, Op. Cit.; G.R. Driver, Aramaic Documents Of The Fifth Century, 1957.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 309
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست