اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 284
مثل شباكا وشبتكا وتاهرقه بنهايات قريبة من ألفاظ اللغة الجنوبية التي عرفت فيما بعد باسم اللغة المروية. ونمت دولتهم شيئًا فشيئًا حتى أحسوا البأس من أنفسهم وأدركوا نتائج التفكك في جهاز الحكم القائم في مصر، فعادوا بجنود من مملكتهم الجديدة إلى مصر التي اعتبروها أمهم وحاولوا تبديل أوضاعها. وتزعمهم حين مهدوا لمشروعهم ذاك ملك يدعى "كاشت" أو كاشتا بعد أن ورث سلفه الأرا. ولا ندري شيئًا مؤكدًا عن خطوات كاشتا، ولكن يفهم من النصوص التالية لعهده أنه معهد للأمر باتصالات ومحالفات مع زعماء طيبة، وربما أيدهم بجنود ساعدوهم ضد أواخر الحكام المهجنين المتمصرين، في ظل الوضع الخاص أو الاستقلال الذاتي الذي نعمت به مدنيتهم، ولكن لم يطل عهده[1]. وجرى على سياسته ولده بيعنخي "وهو اسم مصري الصبغة فضلًا عن تلقبه باسم وسرماعت رع - سنفررع"، وكان كما تحدثت عنه نصوصه يتابع مجريات الأمور في مصر ويضحك منها، ثم تخطاها إلى التدخل العسكري المباشر في العام العشرين من حكمه مدعيًا أن حلفاءه أهل طيبة راسلوه بقولهم: "هل ستسكت عنا وتنسى الصعيد بينما يتقدم تاف نخت دون مقاوم؟ ". وكان تاف نخت رأس الأسرة الرابعة والعشرين قد مضى في تقدمه فعلًا ووجد الاستجابة من رصفائه حكام مصر الوسطى لا سيما في الأشمونين وأهناسيا، وكان من أكبرهم نمرود حاكم حت ور بجوار الأشمونين. وسواء تحرى كتبة بيعنخي الدقة في نصوصه أم بالغوا فيها، فإن ما جاء بها عن وصيته لجنوده المتجهين إلى مصر يعتبر من جيد الكلم ودليل الحصافة في عصره، فقد أوصاهم ألا يبدءوا بعدوان وأن يتركوا خصمهم يختار زمن الحرب، ويكونوا عندها على يقين من أن الإله آمون قد أرسلهم بنفسه، ثم أكد عليهم ألا يدخلوا طيبة مقر آمون بعدة الحرب، وإنما يعتبروا أنفسهم حجاجها، فيتطهروا في نهرها إذا بلغوها، ويلبسوا الكتان الأبيض، وينزعوا سهامهم ويريحو أقواسهم، ولا يتفاخروا ببأسهم في رحاب ربها "فبدون آمون لا شجاعة لشجاع، وهو الذي يشد أزر الضعفاء حتى لتهزم الكثرة أمام القلة ويغلب الواحد ألفًا ... "[2]. ونجح جيش بيعنخي في بعض أمره ضد أعوان تاف نخت، ثم بلغ مدينة الأشمونين ولكنه عجز أمام أسوارها وأمام زعيمها نمرود، فلحق بيعنخي بجنوده وتوالت انتصاراته معهم. ولن تعنينا كثيرًا تفاصيل هذه الانتصارات فالحرب هي الحرب، قتل وأسر وتشريد وتدمير، حتى بين أبناء الوطن الواحد، ثم يصورها كل طرف منهم من وجهة نظره. ولكن يعنينا من أمر بيعنخي ما أبداه خلالها من مهارة في أساليب الحصار ومهارة في التأثير السيكلوجي على الناس، على الرغم من بساطة الحياة في البيئة القصية التي نشأ فيها. فقد تغلب على حصانة الأشمونين بتكليف جنوده بعمل مطلع مرتفع حول أسوارها ليصعد الرماة عليه إلى برج خفيف بني فوقه، ووضع آلات "؟ " تساعد على دفع السهام وأحجار المقاليع إلى قلب المدينة. وعندما تركها بجنوده إلى منف كان خصمه تاف نخت قد سبقه إليها وشدد عزائم أهلها وأحكم أسوارها واطمأن إلى حماية الفيضان المرتفع لناحيتها الشرقية، فأتاها بيعنخي من مأمنها أي من الناحية الشرقية التي ظن خصومه أن مياه الفيضان كافية [1] Cf. Down Dunham And M. Macadam, Jea, Xxxv, 139 F.; H. Von Zeissl, Aethiopen Und Assyrer In Aegypten, 1955, Zaes, 1963, 74 F.
شارف: المرجع السابق - ص171 [2] Urk., Iii, 1 F.; Ancient Records, Iv, 796 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 284