اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 260
المشاكل الكبيرة، وبمعنى أصح جعلوا لتوجيهات كبار كهنته نصيبًا في حل مشكلات بلدهم، إرضاء للكهنة كشركاء، ورغبة في أن يتخففوا هم من عبء المسئوليات وأن يلقوا عواقبها على عاتق وحي آمون[1]. وجرى كبار الكهنة من ناحيتهم على إجراء سنه لهم رأسهم حريحور، وهو العناية الشخصية بالسلف الصالح عن طريق رعاية جثث الفراعنة القدامى الذين انتهكت حرمة مقابرهم في فترات الاضطرابات منذ أواخر عصر الرعامسة، وترميم توابيتها، وكان ذلك الإجراء هو أهم مآثرهم على التاريخ، إذ ظلت هذه الخبيثة الثمينة مصونة مجهولة حتى كشف عنها في أواخر القرن الماضي، كما سنفصل ذلك في الصفحة التالية.
وظلت إمكانيات الدولة المادية محدودة، بحيث استعانت في بعض منشآتها المعمارية بأحجار المباني القديمة، وانكمشت بر رعمسسو "أو تانيس" العظيمة عاصمة الرعامسة إلى نصف مساحتها السابقة[2]. ولكن لم يحل هذا الأمر أو ذاك دون استمرار الفراعنة وكبار الكهنة على حب الترف القديم في شئون الدنيا ومطالب الدين وبناء المقابر الضخمة، وأن يظلوا أكبر المستفيدين دائمًا من إمكانيات عصرهم، الأمر الذي تجلت مظاهره في ثراء ما كشف عنه من مقابر ملوك تانيس وأمرائها وأثريائها "لا سيما بسوسينيس، وموت نجمة، وأمنموبة، وأونوجباونجد"، بمدخراتها الفضية والذهبية الرائعة، وما أبقت الأيام عليه من توابيت كبار الكهنة والكاهنات في طيبة بكنوزها وصورها الملونة ونصوصها العقائدية[3].
أما في العالم الخارجي، فلا تسمح المعلومات الراهنة بغير تصوير جانب ضئيل من علاقات مصر بمملكة داود، وكانت علاقات عادية في مجملها وفي ظاهرها، ولكنها لم تمنع من التجاء الأمير هداد "أو حداد" حاكم إدوم في جنوب فلسطين إلى مصر بعد أن خرب داود وقائده يعقوب إمارته، وسفك دماء آلاف من رجالها، واستباحها لجيشه ستة شهور، ووجد هداد في مصر الرفد والملجأ، وزوجه فرعونها "مجهول الاسم" من أخت زوجته، وأكرمه حتى عاد إلى إمارته بعد وفاة داود وأصبح من ألد خصوم ولده سليمان[4].
وعندما اتسع سليمان بملكه واشتهر أمره، مال إلى محالفة المصريين، وهنا استحب الفرعون المصري "الذي قد يكون سا آمون أو بسوسينيس الثاني" أن يظهر لسليمان قدرة مصر ويبين له أن تحالفها معه هو تحالف الأقوياء، فبعث ببعض جيشه إلى جنوب أرض كنعان حيث استقرت جماعات من شعوب البحر منافسي سليمان، وسيطرت قواته على مدينة جزر التي عجز العبرانيون عنها عدة مرات، ثم جعلها بائنة لابنته التي رضي أن يزوجها لسليمان[5]، وفي ذلك ما يعني ضمنًا أن مصر ظلت حتى في عهود ضعفها أقوى مرات من ملك سليمان الذي تحدثت به الأمثال بالنسبة لما كان عليه ملك أسلافه وجيرانه بطبيعة الحال. [1] Anc. Records, Iv, 650 F.; Rec. Trav., Xxxii, 175 F.; Jnes, Vii, 157 F.; Jea, Xli, 83 F; Xlviii, 57. [2] Op. Cit., 203. [3] Asae, Viii, 3 F.; P. Montet, La Necropole Royale De Tanis, I-Iii, 1947-1950; Kemi, 1942, I F. [4] الملوك الأول 10؛ 14 - 22. [5] الملوك الأول 9: 16 - والواقع أن تحديد اسم هذا الفرعون لا زال في مرحلة الفروض، فهو قد يكون أحد الاثنين اللذين ذكرناهما أو يكون أول ملوك الأسرة التالية لهما.
See, Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, 329-339; Cambridge Anc. Hist., Op. Cit., 53-54.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 260