اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 242
للخلق المصري في جملته، إلا أنه جر على مصر بعد ذلك شرورًا كثيرة كانت في غنى عنها لو أنها استأصلت شأفة أعدائها من جذورها ...
وحاولت مصر أن تنعم بفترة من الرخاء والسلام بعد انتصاراتها على شعوب البحر التي دوخت غيرها من دول الشرق الكبرى، وبعد أن أكدت ثقتها بنفسها وتدفقت الثروات عليها من غنائم الحروب والجزى، ولكن كان لا يزال للكفاح بقية. فقد صورت أخبار أحد الأعوام التالية من عهد رمسيس محاصرته وجيوشه لخمس مدن في بلاد الشام، كانت منها تونب وإروازا وربما قادش وشابتونا أيضًا. ويبدو أن الأجناس الدخيلة في سوريا ومنها بقايا الحيثيين كانت لهم يد في إثارة الاضطرابات فيها. وإذا سلمنا برواية مؤرخ رمسيس عن نصره يكون هذا النصر قد أعاد الأمن كاملًا إلى خطوط مصر الدفاعية البعيدة وإلى مسالك التجارة الخارجية. وكالعادة كان أكثر المصريين استفادة من هذه النهضة الجديدة هو فرعونهم وبطانته من حاشية القصر وكبار رجال الدين. ومن أروع ما شاده المهندسون من عمائر رمسيس الثالث الخاصة معبدان فضلًا عن قصرين مؤقتين. أما المعبدان فأحدهما ضخم شاهق خصص لإقامة شعائره وشعائر الإله آمون ومعبودات أخرى، في غرب طيبة، وهو معبد حابو. وأما الآخر فهو معبد صغير ولكنه ممتع خصص لاحتفالات يوبيله وأعياد ربه آمون في رحاب الكرنك بشرق طيبة. ولا زال كل منهما يعتبر من أكل المعابد المصرية الباقية في عناصره المعمارية وفي لوحاته المصورة المنقوشة[1]. وامتدت المنشآت الدينية حينذاك إلى الشام والنوبة، واحتفظت النصوص بذكرى معبد للإله آمون في كنعان أجرى رمسيس عليه خراج تسع مدن "أو قرى" في منطقته، ومعبد آخر في عسقلان شيد باسم الإله بتاح. [1] Cf., Nelson, Jaos, Lvi, No. 2, 232 F. عواقب الإسراف:
طال عهد رمسيس الثالث نحو واحد وثلاثين عامًا حتى عام 1151ق. م، استمتع في أغلبها بما دلت عليه ضخامة منشآته من ثراء ومجد ونعيم، ثم آذنت أموره وأمور بلده بالتحول من حال إلى حال، وكانت عوامل هذا التحول ثلاثة، وهي: تزايد أعداد الأجانب المتمصرين في البلاط والجيش، فضلًا عن تزايد أعداد الأرقاء الأجانب في القصور والمعابد، ثم مؤامرات النساء في القصر الفرعوني، وضيق الطبقات العاملة بقلة ما يصلها من مجهود يمينها ومما نعم بمثله كبار الكهان وأهل البلاط:
فقد مر بنا كيف تقبلت مصر أعدادًا من الوافدين عليها مما وراء حدودها الشمالية الشرقية، بل ومن الآريين وبعض شعوب البحر المسالمين، يصدر رحب منذ أواسط عصر الأسرة الثامنة عشرة، وكيف استخدمتهم في جيشها ووظائفها وبادلتهم عقائدهم بعقائدها، وقد زاد هذا الاتجاه خلال عصري الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، ولم يأب الكتبة المصريون حينذاك أن يعبروا بأسماء أرباب الشام: بل وعشترة
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 242