اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 207
وعشرة" "وكانت هي السن المثالية لشيوخ المصريين". وترتب على سمعته الطيبة أن قدسه مواطنوه بعد وفاته واعتبروه من الأولياء، ثم ألهوه في عصورهم المتأخرة وشاركهم الإغريق في تأليهه، وقدسوا أمه وصوروها على هيئة الربة سشات راعية الكتابة والحساب. ونسبوا إليه المعرفة بالطب، وأعادوا بناء مقصورة شعائره في غرب طيبة وأحالوها إلى معبد كبير، وقرنوه بإيمحوتب مهندس عصر الأسرة الثالثة وحكيم زمانه وخصصوا لهما مقصورتين في المسطح العلوي من معبد حاتشبسوت بالدير البحري، وشادوا بكراماته في قضاة حوائجهم وشفاء مرضاهم إذا باتوا في معبده، ثم جمعوا بينه وبين ملكه في أسطورة سموها "تنبوءات الفخراني"[1].
ومرة أخرى لا نود أن نتخيل حياة أولئك الكبار مثالية كما صوروها، ولا أن نتخيلها نموذجًا لحياة كثيرين من أفراد شعبهم، فشتان ما بين مقدرات الكبار والصغار، وبين القول وبين التطبيق في كل مجتمع وزمان، ولكننا نود أن نجمع بين تراجمهم وبين تراجم من استشهدنا بهم في مناسبات سابقة من رجالات العصور المتعاقبة، في القول بأن شخصية الفرد "الكبير" إزاء فرعونه في مصر القديمة كانت أظهر بكثير من شخصيات كبار الأفراد في الأمم الشرقية المعاصرة، مثل بلاد النهرين، إزاء ملوكهم، سواء من حيث الثراء أم من حيث الاعتداد بالنفس، وذلك على عكس الظن الشائع باختفاء شخصية الفرد المصري إلى جانب قديسة ملكه وسلطانه. [1] See, Sethe, “Egyptian Heros”, In Hasting’s Encyclopaedia, Vi, 650 F.; Robischon Et Varille, Le Temple De Scribe Royal Imenhotep Fils D’hapou, 1936.
في السياسة الخارجية:
خرج أولو الرأي المصريون من محنة الهكسوس وقد غلب على تفكيرهم أنه لا أمان لاستقلالهم من غدر أعدائهم إلا إذا واصلوا الاهتمام بجيشهم وزادوا قوته الحربية، وأنه لا أمان لاقتصادهم من اعتداءات بقايا الهكسوس وأمثالهم إلا إذا أبعدوهم عن مسالك تجارتهم الخارجية جهد ما يستطيعون وأحاطوهم بأنصارهم جهد ما يستطيعون، وأنه لا أمان لمستقبل بلدهم ممن غزو هجرات شعوبية جديدة غريبة إلا إذا سيطروا بأنفسهم على مداخل الهجرات في شمال الشام وأطراف العراق. وتكفل بالمرحلتين الأوليين من هذه السياسة الملكان أحمس الأول وأمنحوتب الأول على التعاقب. بينما أخذ خليفتهما تحوتمس الأول على عاتقه أن يبدأ بتنفيذ المرحلة الثالثة منها.
وكان أحمس الأول "نب بحتي رع" قد استن من جانبه أدوات تنفيذ المرحلتين الأوليين، فترأس جيوشه بنفسه وخرج بها عن حدود بلده، وأبان عن إدراكه لخطورة إقامة الهكسوس على مقربة من هذه الحدود، فحاصرهم في شاروحين حتى أجلاهم عنها وشتتهم منها كما أسلفنا. ثم استعاد هو ورجاله صلات بلدهم بتجارة الشمال والجنوب، أي تجارة أهل الشام ومن كانوا يتعاملون مع موانيهم من تجار الكريتيين ثم تجارة الكاشيين في بلاد النوبة ومن ورائهم من أهل الجنوب.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 207