responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 204
وظلت الشخصية الثانية بعد الفرعون، هي شخصية الوزير وربما ازدوجت الوزارة حينذاك، فاستقر الوزير الأكبر في طيبة، وظهر أحيانًا وزير آخر في منف التي كانت مركزًا لبعض وحدات الجيش والملاحة ومقرًا لأولياء العهود[1]. وشغل الوزارة في هذا العصر مدنيون وآخرون جمعوا بين الوزارة وبين رئاسة كهنوت آمون. وسجل "رخميرع" وزير تحوتمس الثالث في نقوش مقبرته بغرب طيبة مرسوم تكليفه بأعباء الوزارة وتعاليم الفرعون له بما ينبغي أن ... به خلال قيامه بها. وقد لا تكون هذه التعاليم من بنات أكفار تحوتمس كلها، حيث سجلت بصور مختلفة عند وزراء لفراعنة آخرين، ولكنها في مجملها كانت أليق به بما عرف عنه من تجربة وحصافة، ويمكن أن تعتبر في مجملها دستورًا لعلاقة الحكام برعاياهم خلال الدولة الحديثة. وبدأت بقول الملك: "يأبى الرب التحيز، وهذه تعاليم نرجو أن تتبع سبيلها"، ثم استرسل في نصائحه وقال فيما قال: "تطلع إلى منصب الوزير هذا وكن يقظًا لكل ما يحدث فيه، فهو عماد الأرض كلها، ولاحظ أنه ليس بالمنصب الهين، ولكنه مر المذاق ... ، وهو لا يعني "مجرد" تقدير الذات واحترام الرؤساء ورجال البلاط، وليس الغرض منه أن يستعبد الوزير أفرادًا من الشعب ... ، فإذا قصدك شاكٍ من الصعيد أو الدلتا أو من أي بقعة في الأرض، فعليك أن تتأكد من أن كل شيء يجري وفقًا للقانون والعرف. وامنح كل ذي حق حقه ... ، ولاحظ أن من يلي منصبًا كبيرًا يردد الهواء والماء كل ما يفعله ولا يمكن أن تستمر تصرفاته خافية ... ، تصرف وفقًا للعدل، فالمحاباة يمقتها الرب. وإليك نصيحة تتخلق بها: عامل من تعرفه كما تعامل من لا تعرفه، وانظر إلى المقرب إليك نظرك إلى البعيد عنك ... ، لا تشح بوجهك عن صاحب شكوى، ولا تؤمن سريعًا على حديث من يحادثك ... ، لا تغضب على فرد بغير حق، واقصر غضبك على من ينبغي الغضب منه. كن مهيبًا يهابك الناس، والنبيل هو من يجله الناس وتتأتى مهابته إذا أحق الحق ... ، ولكنه إذا أخاف الناس وأسرف في ترويعهم، وكانت به نقيصة، نزلوا به عن مصاف الرجال.
ولسوف تنجح في تحقيق الهدف من منصبك إذا نصرت الحق، فالناس يتوقعون العدل في كل تصرفات الوزير، وتلك سنة القضاء منذ حكم الرب على الأرض ... ، كن عنيفًا مع المتكبر، فالفرعون يفضل من يستحي على من يتكبر ... "[2]. وهذه كلها نصائح يمكن أن يصلح الحكم بها في كل عصر.
وزادت مركزة الأمور في يدي الوزير الأعلى "في طيبة" عما كانت عليه قبل الدولة الحديثة، وأصبح إشرافه على ولاة الأقاليم أعم وأكبر، وكان له رسل ومندوبون يعملون كحلقة وصل بينه وبين المصالح الإقليمية ويقدمون تقاريرهم لرؤسائهم ثلاث مرات في العام، الأمر الذي قلل من شأن الأسر الإقطاعية الكبيرة في حكم الأقاليم. واتسعت تبعات الوزير في مقابل ذلك باتساع آفاق الموارد والاستثمارات والمسئوليات في شئون الضرائب والزراعة والري والمنشآت وتنظيمات الجيش والبحرية والأمور الخارجية، في فترات الانطلاق والازدهار من هذا العصر.

[1] H. Kees, Priestertum, 62 F.; A. Badawi, Memphis, 53 F., 58 F.
[2] Urk. IV, 1090 F.; K. Sethe, Einsetzung Des Veziers Unter 18 Dyn., 1902; A.H. Gardiner, Rec. Tr., XXVI, 1f.; R. Faulkner, “The Installation Of The Vizier”, Jea, XXLI, 18 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 204
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست