responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 20
وكانت خطوات بواكير الحضارة في هذا الدهر بطيئة للغاية بحيث تشابهت مظاهرها المتواضعة حيثما وجدت آثار البشر في دهرها. واستخدم الإنسان فيها أدواته اليدوية البدائية في الدفاع عن نفسه ضد الحيوان وضد أخيه الإنسان. وكان يستعين بها في تحصيل معاشه، وذلك كأن يستخدمها في صيد الحيوانات الصغيرة وتهشيم عظامها وتقطيع لحومها وسلخ جلودها، ويستخدمها في اقتلاع ما يستسيغ أكله من جذور النباتات، وما يود إسقاطه من ثمار الشجر. واتخذ الإنسان أدواته تلك من الأحجار وفروع الأشجار ومن العظام والمحار، ولكنه حرص حيثما استطاع على أن يتخذ أكثرها استعمالًا في حياته اليومية مما يتوفر في بيئته من قطع الأحجار الصلبة، وقد هدته التجارب إلى أن أصلح الأحجار لأغراضه قطع الظران، فكانت أداته المفضلة عبارة عن زلطة غليظة من الظران[1] كان يحرص حين يتخيرها على أن تكون قاعدتها مناسبة لقبضة يده، ويترك هذه القاعدة بشكلها الطبيعي وبقشرتها الطبيعية ما دامت ملساء نوعًا لا تؤذي كفه، ثم يشكل قمتها وجوانبها بما يسمح له بأن يستخدمها في أغراضه المحدودة التي أسلفناها. ويمكن تسمية الواحدة من مثل هذه الأدوات باسم الفهر.
ومرة أخرى لن نتعرض لتفاصيل خصائص الفهر وتطوراته ونحيل من شاء الاستزادة من المعلومات عنه إلى كتابنا عن "حاضرة مصر القديمة وآثارها". وكل ما يعنينا هنا أن فريقًا من الباحثين يفترضون منطقة قديمة واسعة منبسطة متوسطة الموقع معتدلة المناخ مفتوحة المداخل والمخارج تمرس الإنسان الأول فيها على صناعة الفهر الحجري وتطويره، ثم انتشر به منها إلى بقية المناطق الصالحة للسكنى في العالم القديم. ويعتقد بعضهم أن هذه المنطقة ذات الميزات الخاصة كانت ضمن مناطق الشرق الأدنى، وربما في شمال إفريقيا وغرب آسيا بخاصة، وكان منها هضاب مصر وما يحيط بها شرقًا وغربًا[2]، وهي هضاب كانت تتلقى نصيبًا كافيًا من الأمطار، وتنمو عليها نباتات تشبه نباتات السفانا الحالية ولا زالت شواهد صلاحيتها المناخية القديمة ماثلة في بقاء عدد من الوديان والأخاديد والينابيع شقتها المياه الغزيرة وجرت فيها، ثم جفت أو تحجرت. ولا زالت شواهد سكناها القديمة ماثلة كذلك في وجود أعداد من الأدوات الحجرية البدائية التي خلفها إنسانها الأول في مواضع متفرقة على سطحها.
وقسم الباحثون الحضارات البدائية في الدهر الحجري القديم الأسفل إلى قسمين متعاقبين، وهما: الحضارة الشيلية، أو الأبيفيلية، نسبة إلى قريتين في فرنسا وجدت فيهما نماذج كثيرة لأقدم أدوات الإنسان الأول. ثم الحضارة الأشيلية نسبة إلى قرية أخرى في فرنسا أيضًا عثر الباحثون فيها على نماذج عدة لأدوات حجرية امتازت بتطور نسبي عن الأدوات الشيلية التي سبقتها. ويتلخص هذا التطور بين الحضارتين في بداية اهتمام الإنسان بتصغير سمك وحجوم أدواته الحجرية بعض الشيء ربما ليسهل عليه استعمال أكبر عدد منها، ثم اهتمامه بتحديد حوافها وبتهذيب سطوحها بحيث تصبح مستوية بقدر الإمكان وبحيث ترضي ذوقه بعد أن أرضت مطالبه.

[1] انظر عن صناعتها: إبراهيم رزقانة: الآلات الحجرية – القاهرة – ص50.
[2] Huzayyin, Op. Cit., 302 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست