اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 170
في السياسة الداخلية:
جمعت أيام الأسرة الثانية عشرة بين خصائص مركزية الدولة القديمة وعظمة فراعنتها، وبين مكاسب عصر اللامركزية الأولى ونمو الروح الفردية فيه، في آن واحد، دون أن تضحي بإحداهما تمامًا في سبيل الأخرى. غير أن هذه التقديم لا يمنعنا من ذكر حقيقة واقعة وهي أن مصادر تصوير هذا العصر، وغيره من العصور، لا تزودنا في أغلب أحوالها إلا بما أراده أصحابها من تصوير الجوانب النيرة في حياتهم، أما الجوانب السيئة، ولا بد أنها كانت متعددة، فقلما تركوا لنا ما يسمح بتصويرها إلا عن طريق التخمين وعن طريق استقراء ما بين السطور.
طال حكم أمنمحات الأول ثلاثين عامًا يبدو أنها كانت حالفة بالإصلاح وإن لم تخل من الكفاح والمخاطر في بدايتها وفي نهايتها. فيفهم من نصوص رجل معاصر له من حكام الأقاليم يدعى "خنوم حوتب" ونصوص حفيده[1]، أنه ظهر لأمنمحات في بداية عهده منافسون على العرش، وأنه عمل على نفيهم من مصر واستعان على إضعافهم ببعض زعماء الأسر المصرية القوية في مصر الوسطى، ثم كافأ أنصاره بتوليتهم حكم المزيد من المدن والأقاليم، وإن كان قد حرص في الوقت ذاته على أن يشعر هؤلاء الأنصار بأن يده هي العليا دائمًا، فتدخل في تحديد حدود أقاليمهم ورسم سياستها وتعيين موارد الري فيها وتحديد سلطاتهم عليها.
وأشرك أمنمحات ولي عهده سنوسرت في الحكم معه عشر سنين حتى يعتاد على تصريف الأمور تحت إشرافه، ويأمن الخلاف والطمع في عرشه بعد وفاته، وظن أن ذلك يدعم مركزيهما معًا، ولكن كان من تصاريف القدر أن تعرض في فترة متأخرة من حكمه لمؤامرة دبرت لاغتياله من قبل المتصلين به لسبب لا نعرفه، وصور الملك هذه المؤامرة من وجهة نظره في مجموعة وصايا وجهها إلى ولده، وحرص على أن يعدد له في مقدمتها ما أسلف لبلده من أياد بيضاء، فأكد أنه عمل على ألا يكون في عهده جائع ولا ظمآن، وأن كل ما أمر بتنفيذه خلال حكمه كان كما ينبغي أن يكون. وأكد أنه يسر لكل معدم أن يحقق أهدافه كما لو كان من ذوي الحيثية، ثم تحدث عن نشاطه الإداري فذكر أنه وقف على مشارف الأرض وعاين [1] Breasted, Op. Cit., 224; P.E. Newberry, Bent Hasan. I, Pl. XlIV.
تنوع الملامح بين أفراد الأسرة الواحدة ليس بالأمر الغريب بين المصريين وغير المصريين، ثم إن أمنمحات الوزير لو أراد أن يستخدم العشرة آلاف جندي في الثورة على ملكه لما مجده أمام نفس الجنود في نصوص حتى أوشك أن يرتفع به أمامهم إلى مصاف الآلهة. كما أن بعض خلفائه من ملوك أسرته قد جروا على سنته في تمجيد ذكرى ملوك الأسرة الحادية عشرة السابقة عليهم، وفي هذا ما ينفي أن رأسهم قد اغتصب الملك منها.
وبناء على هذه القرائن وغيرها مما يرد تفصيله وأدلته في كتابنا آنف الذكر، يبدو أن أمنمحات كان من أقرباء الأسرة الحادية عشرة السابقة له أو من أصهارها، وأنه لم يعتل العرش اغتصابًا من ورثتها، وإنما اعتلاه بعد أن عجزوا عن الاحتفاظ به، وبعد أن مرت البلاد بفترة عز عليها فيها الاستقرار والحكم الصالح.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 170