اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 163
ويبدو أن انقطاع الاستغلال الواسع لمناطق المناجم والمحاجر، وانقطاع الاتصال ببلاد بوينة خلال عصر الانتقال الأول، جعل استعادة النشاط في هذه النواحي ضربًا من المخاطرة والبسالة وجعل أصحاب هذا النشاط يتلمسون طريقهم من جديد كما فعل كل من الوزير أمنمحات وزميله حنو. وصورت مخاطرات هذا العصر قصة جمع فيها مؤلفها بين الواقع وبين الخيال، وعرفت في الكتب العربية باسم قصة الملاح الغريق، وإن كان عكس هذه التسمية أي "نجاة الملاح" أولى بها. وروت القصة أن أحد رجالات البلاد كان في سبيل عودته على متن النيل من مهمة كلفه فرعونه بها فيما وراء أرض واوات بأقاصي النوبة، ولكن لم يقدر له النجاح فيها، ولما اقتربت سفينته من العاصمة أتاه أحد خاصته من الملاحين يهنئه بسلامة العودة دون نقص في ملاحيه، ويصف له فرح رجاله ومعانقة بعضهم لبعض. ولكن الرجل كان في واد آخر، وظل مهمومًا يتخوف عاقبة فشله، فانبرى الملاح يسري عنه ويهون عليه ويبعث الأمل في نفسه، وقص عليه قصة تداولت عليه فيها شدائد ظن أن لا نجاة له منها، ولكنه نجا وسلم وعاد إلى وطنه واستمتع باجتماع شمله بأهل بيته، مما سنعود إلى تفصيله في حديث الأدب.
وفي البعثات المسلحة سجل أحد قادة مونتوحوتب "نب حبة رع" على صخور أبيسكو قرب الشلال الأول أنه صاحب مولاه في حملة جنوبية، وأضاف حديثًا يفهم منه أن استقرار أمور فرعونه في مصر سمح له بأن يلتفت إلى ما وراء حدودها، وأن نشاطه العسكري هيأ له أن يبعث هيبته في نفوس أهل "جاتي"، أي أهل جنوب الشام[1]. وأضاف رئيس المال خيتي أنه خرج بسفن على واوات في النوبة، وأنه عاد من إحدى بعثاته الخارجية بمعادن وأحجار كريمة[2]. ثم ذكر ملك من الأسرة نفسها في نص له أنه قاوم الآسيويين في بواديهم. وزاد حنو أمرًا آخر في عهد مونتوحوتب "سعنخ كارع"، فذكر لنفسه دورًا في معاملة الحاونبو، أي أهل جزر البحر المتوسط لا سيما الكريتيين، وقد تكون هذه المعاملة ودية أو عدائية، وإن كان الاحتمال الأول هو الأرجح. [1] Weigall, Antiquities Of Lower Nubia, Pi. Xix ; Roeder, Debod…, 282 ; Save-Soderbergh, Aegypten Und Nubien, 1041, 58. [2] Breasted, Op. Cit., ; I, 426 ; Gardiner, Jea, Iv, 28 F.
صور من المجتمع:
تميز من رجالات النصف الأخير من عصر الأسرة الحادية عشرة الذين عرفنا تاريخهم ثالث رجال: فنان مجتهد يدعى إرتيسن، وكاهن مزارع من أواسط الناس يدعى حقانخت، وموظف كبير يدعى مكت رع. وصورت مخلفات الرجال الثلاثة ثلاثة جوانب من جوانب الحياة الاجتماعية في العصر الذي عاشوا فيه.
كان إرتيسن أقدم الثلاثة وقد عاصر نب حبة رع، وترك نقوشًا يفهم منها أنه قسم معرفته ثلاثة أقسام: معرفة باللغة، ومعرفة بمراسيم الدين وطرق السحر وتنظيم المواكب الدينية، ثم معرفة فنية وآلية، وكان مما اعتز به أنه ابتدع موادَّ للتغشية لا تحرقها النار ولا يزيلها الماء، وأنه كان يتقن تصوير الجسم البشري
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 163