اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 136
وتضخمت مكانة كبار الموظفين في هذا العصر خلال توليهم منصب الوزارة، ومناصب حكام الأقاليم الكبيرة، ومنصب والي الصعيد، فضلًا عن مناصب أخرى كثيرة كانت تندرج تحت اختصاصات هذه المناصب الثلاثة ويحتفظون بالإشراف الأعلى عليها. وظهر أكثر التطوير في سلطات حكام الأقاليم، وقد اختلف نفوذهم تبعًا لشخصياتهم وشخصيات الفراعنة الذين عملوا في عهودهم أو عملوا في خدمتهم. فاستمر أغلبهم يرد وجوه نشاطه في إقليمه إلى أمر الفرعون وتوجيهه وفضله، بينما امتاز منهم عدد قليل آخر حرص أفراده على أن يصفوا مجهوداتهم الشخصية ومآثرهم الفردية في نقوش مقابرهم، فشرحوا كيف عملوا على تعمير أقاليمهم ووطدوا الأمن فيها، وكيف ساروا بالعدل بين أهلها وأسعدوهم، وإن لم يأبوا في الوقت نفسه أن يوفوا التقاليد الشكلية حقها، فسجلوا على جانب مآثرهم صورًا من طاعتهم لفرعونهم وحرصهم على التقرب منه وإرضائه. ومن هؤلاء الحكام المتميزين هنقو، وقد عاش خلال عصر الأسرة السادسة وحكم منطقة في إقليم أسيوط تدعى جوفية، وافتخر في نقوش مقبرته بأنه أغدق الطعام والشراب والكساء على فقراء إقليمه، وأنه بلغ من كرمه أنه أشبع ذئاب الصحاري وعقبان السماء بلحوم الماعز التي كان يضحي بها. وافتخر برعايته لاقتصاديات إقليمه، وذكر من وسائله إلى هذه الرعاية ما يعتبر مفخرة لعهده حيث شجع هجرة أهل الأقاليم الأخرى إلى إقليمه لتعمير القرى المهجورة فيه، ثم جعل مزارعيه ملاكًا، وزاد أعداد الماشية على شواطئه وأعداد الماعز على مراعيه[1] بما ينحو منحى الإصلاح الزراعي وتنمية الثروة الحيوانية على نطاق ضيق. وبلغ من طيب سمعة بعض حكام الأقاليم حينذاك أن رفعهم رعاياهم إلى مصاف الأولياء وقدسوهم[2].
ورضى الفراعنة بنشاط أصحاب الشخصيات القوية من ولاة الأقاليم، أو هم اضطروا إلى مسايرته، ولكنهم تخوفوا أن يؤدي ازدياده إلى انفلات السلطان من أيديهم، أو يؤدي إلى تهاون الولاة في أداء التبعات والضرائب المفروضة عليهم، أو يشجع بعضه على الاستقلال بحكم أقاليمهم، وتفادوا هذه التوقعات عن طريق التوسع في استخدام وسيلتين قديمتين, وهما: التوسع في تربية أبناء كبار الولاة في قصورهم ليتشربوا حبهم وأملًا في أن يشبوا أوفياء لهم ولأولادهم، ويخلصوا لطاعتهم إذا تولوا حكم أقاليمهم[3]. ثم إعادة منصب والي الصعيد الذي استحدثته الأسرة الخامسة وعهدت إلى أصحابه بالرقابة باسم الفرعون على ضرائب الصعيد وشئون حكامه، وكان قد ألغي فيما يبدو في عهد تتي أول ملوك الأسرة السادسة، ثم أعيد في عهد مرنوع رابع ملوكها وزاد نفوذه[4].
صور بعض مشاكل قصور الأسرة السادسة، ومكانة بعض كبار الموظفين فيها، مواطن كبير يدعى "وني" دونت قصة حياته في نقوش مقبرته بأبيدوس، ثم نقلت الجدران التي دونت عليها هذه النقوش [1] Urk., I, 76-79. – وتوجد مقبرته في دير الجيراوي. [2] انظر عن إيسي والي أدفو في بداية عصر الأسرة السادسة: Alliot. Bull. Inst. Frs., Xxxvii, 93 F. [3] Urk. I, 251 F. Kees, Zaes, Lxiv, 93. [4] دريوتون وفاندييه: مصر – ص263.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 136