اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 11
نافعة، وقد لا يكون من قبيل المصادقة أن أقدم تشريعات آشورية معروفة حتى
الآن يغلب على الظن أنها ظهرت في عصر امتداد هجرات الحوريين الآريين إلى أرض آشور[1].
ولعله كان لتعدد الجنسيات والهجرات التي نزلت العراق في عصوره القديمة بعض الأثر في ظهور تشريعات عراقية متعددة تنظم العلاقات بين الطوائف المختلفة من السكان، وظهور فكرة معاجم المفردات المقارنة باللغات القائمة في حينها لتيسير انتفاع الجماعات المتنوعة بها.
وأخيرًا قد لا يكون من المستبعد أنه ترتب على ما تعوده أهل العراق القديم من الظواهر الغالبة لفيضاناتهم وصحراواتهم وجبالهم من حيث غلبة المشكلات فيها إزاء المنافع، فضلًا عن تقلبات المناخ وحدة الفوارق فيه، بعض الأثر في صبغ حياتهم القديمة بغير قليل من الحدة والتوتر، وهي صبغة توفرت لها مزاياها أحيانًا، كما توفرت لها عثراتها أحيانًا أخرى. بل وتوفر لها بعض الأثر كذلك فيما رددته أساطيرهم عن شدة عداء بعض أرباب بيئتهم لبعض ومنافسة بعضهم بعضا، وبعض الأثر أيضًا في توجيه فنون النحت والتصوير، في عصورها الأولى بخاصة، إلى إيثار المبالغة والميل إلى إشاعة الرهبة، ثم صرف معظم جهودهم الفكرية القديمة إلى توفية مطالب دنياهم والتشريع لمعاملاتها دون اهتمام صريح عميق بأمور الآخرة وفلسفات الحساب والثواب المعنوية، على خلاف المصريين القدماء، وذلك رغم ما تدل عليه بعض الآداب العراقية من رغبة حكمائهم الملحة في تحصيل الخلود الدنيوي ودفع الموت والفناء بكل سبيل "في مثل قصص جلجميش وغيرها"[2]، ومع ما تدل عليه نصوصهم الدينية من حرصهم على إرضاء أربابهم في دنياهم وطمعهم في أن يدع هؤلاء الأرباب أرواح موتاهم آمنة في عوالمها البعيدة الغامضة[3]. [1] Th. J. Meek, "The Middle Assyrian Laws", In Ancient Near Eastern Texts, 1955, 180. [2] S.N. Kramer, "Sumerian Myths And Epic Tales", Ibid. 44, 48 F,; E.A. Speiser, "Akkadian Myths And Epica", Ibid., 79 F., 90, 95, 96. [3] S.N. Kramer, Op. Cit., 50 F., 52 F,; Speiser, Op. Cit., 87 F., 107, 109. في بلاد الشام:
خضعت بلاد الشام في تاريخها القديم لإيحاءات بيئتها وخصائص موقعها، شأنها في ذلك شأن غيرها من مواطن الحضارات القديمة. وكان أوضح هذه المظاهر والخصائص تأثيرًا فيها هو وضوح التنوع في تضاريسها وتعاقب الفواصل الجبلية فيها، وتباعد مناطقها الخصبة بعضها عن بعض. فقد ترتب على تنوع تضاريسها كثرة التباين بين ميول أهلها، أهل الجبال، وأهل السواحل، وأهل السهول والوديان، وأهل البوادي والصحاري، وصعوبة اتحادهم في وحدة قومية صريحة خلال الغالبية العظمى من عصورهم القديمة. وأفضى قيام الفواصل الجبلية في بلاد الشام وتباعد مناطقها الخصبة بعضها عن بعض إلى النتيجة نفسها، فتوزعت الوحدات السياسية والاقتصادية في طول البلاد وعرضها على هيئة دويلات صغيرة أسهمت كل منها بدورها المجيد في ركب الحضارة، ولكنها ظلت متفرقة الإمكانيات، محدودة المساحات، محدودة وسائل الهجوم والدفاع، ولم يلتئم شملها في وحدة سياسية كبيرة طوال عصورها القديمة.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 11