وأموالهم أمرا سهلا.
أما وأنّ الهجرة ليست نهاية المتاعب من ناحية قريش- فهي نهاية مرحلة فقط وبداية مرحلة أخرى في الجهاد ضد أعداء الله- فإن هذا الكلام لا يمكن أن يكون صحيحا، وقد رأيت فيما سبق أن مشركي قريش أخذوا يلاحقون المسلمين في مهجرهم، ويردّونهم إلى مكة ويعذّبونهم، ويضعونهم في السجون. وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه من ناحية المسلمين. وفوق ذلك فإن إخضاع قريش كان أمرا ضروريّا لتنطلق الدعوة الإسلامية انطلاقتها الكبرى إلى النّاس في مشارق الأرض ومغاربها.
وتاريخ الدعوة الإسلامية، وسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم تدلّنا على أن الدعوة الإسلامية لم تنتشر في شبه جزيرة العرب، ويقبل عليها الناس إلا بعد فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وإلا بعد أن أذعنت قريش بعد أن أثخنتها الجراح على يد جند الإسلام بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم عندئذ زالت العقبة الكبرى من أمام الدعوة، وأقبلت وفود العرب من جميع أرجاء شبه الجزيرة العربية معلنة إسلامها ومبايعتها للرسول صلّى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن قريشا كانت ذات مكانة كبيرة بين العرب، فهم أوسط العرب نسبا ودارا وهم أهل الحرم وقادة العرب. لذلك كان العرب جميعا ينتظرون نهاية موقف قريش من الدعوة الإسلامية حتى يقرروا موقفهم على ضوء هذه النهاية. يقول ابن إسحاق:
«وإنما كانت العرب تربّص بإسلامها أمر هذا الحيّ من قريش؛ لأن قريشا كانوا إمام الناس وهاديتهم وأهل البيت والحرم، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم، وقادة العرب لا ينكرون ذلك. وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش، ودوّخها الإسلام، عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا عداوته فدخلوا في دين الله» [1] والذي يتتبّع سير الدعوة الإسلامية منذ ظهورها في مكة حتى وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم يجد مصداق المقولة السابقة، ويدرك أن قريشا هي العدو الرئيس- حينئذ- للإسلام ففي مكة كانت حركة الدعوة الإسلامية بطيئة للغاية- لا لتقصير من جانب النبي حاشا لله- ولكن لموقف قريش المعادي للدعوة. فمع إسلام طائفة من الشخصيات البارزة في مكة من مختلف البطون، مثل أبي بكر وعثمان بن عفان. وعبد الرحمن [1] انظر ابن كثير البداية والنهاية (5/ 45) ، والسهيلي- الروض الأنف (7/ 377) ، وابن الأثير- الكامل في التاريخ (2/ 286) .