اثني عشر رجلا ذهب إلى مكة في الموسم التالي، بهدف مقابلة النبي صلّى الله عليه وسلم لمعرفة المزيد عن الإسلام، والتقدم خطوات إلى الأمام. وتقابل هؤلاء الرجال مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وشرح لهم وعلمهم وفقّههم وانتهى اللقاء بما عرف في التاريخ ببيعة العقبة الأولى. ولما أزمعوا العودة إلى بلدهم، أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير رضى الله عنه كأول مبعوث له؛ ليعلمهم الإسلام ويقرئهم القرآن ويفقههم في الدين [1] .
* صدى رحلة مصعب بن عمير:
منذ أن عاد رجال الخزرج الذين التقوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم لأول مرة إلى بلدهم، ونقلوا إلى هناك ما سمعوه من النبي صلّى الله عليه وسلم، بدأ الموقف في يثرب يتبدل تبدلا كاملا وانتهت مرحلة الانتظار والترقب واعتبار الأمر يخص قريشا وحدها، وبدأت مرحلة جديدة، هي مرحلة الاتصالات المباشرة بصاحب الدعوة (عليه الصلاة والسلام) ، والتفاهم معه، ومعرفة المزيد من أخبار الدعوة. ولم يكونوا يجهلون أن مجرد الاتصال بالنبي صلّى الله عليه وسلم في مكة، سوف يضعهم في مواجهة مع قريش. وخلاصة القول بدأ عرب يثرب يتهيؤون، أو قل هيأهم الله للدخول في الإسلام ولنصرة نبيه، فما أن وصل مصعب بن عمير مع رجال بيعة العقبة الأولى إلى المدينة، حتى اتخذ من منزل أسعد بن زرارة رضى الله عنه مقرّا له، وأخذ يشرح للناس ما هو الإسلام ويقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وأخذ أناس يقبلون عليه إقبالا عظيما. وأخذت دائرة الذين آمنوا بالله ورسوله تتسع، وكان للباقة هذا الداعية العظيم، وسعة أفقه وعلمه وإخلاصه لما يدعو إليه، كان لهذا كله أكبر الأثر في نجاحه الكبير في اجتذاب أهل يثرب إلى الإسلام، وجعله حديث كل لسان، حتى أنه في لحظات استطاع إقناع أكبر زعيمين من زعماء الأوس، وهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضى الله عنه، فتحولا من معارضين للدعوة إلى أنصار متحمسين لها، وكان لإسلامهما أكبر الأثر في إسلام الأوس بأسرها لمكانتهما منها. وهكذا نجح مصعب بن عمير في إدخال الإسلام إلى دور الأنصار؛ «فلم يبق دار من دور المدينة إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات» على حد تعبير ابن إسحاق [2] . [1] المصدر السابق نفسه (2/ 39- 42) . [2] المصدر السابق نفسه (2/ 46) .