إلى الوقت، وحسبهم أنهم حافظوا على هذا التراث البشري محافظة تامة وفي الوقت نفسه كانت لهم محاولات أولية في الترجمة [1] .
* الأمويون والترجمة:
قبل أن ننوه بدور الأمويين في ترجمة العلوم غير العربية الإسلامية لا بد من التنويه بدورهم في العلوم العربية الإسلامية؛ لأن الحركة العلمية التي بدأت منذ عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم وفي مسجده وحمل لواءها بعده الصحابة والتابعون، وأخذت في الازدهار في العصر الأموي، بدأت تتبلور وتتميز كل العلوم العربية الإسلامية وتصبح لها مدارس مستقلة، فبعد أن كان الصحابي أو التابعي يجلس في المسجد- سواء المسجد الحرام بمكة المكرمة أو مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم أو مسجد الكوفة أو البصرة أو دمشق أو الفسطاط- ليعلم الناس ويتحدث في المجلس الواحد في علوم كثيرة كالتفسير والحديث والفقه واللغة العربية وآدابها ... إلخ؛ بدأت في أواخر العصر الأموي تنفصل هذه العلوم ويصبح هناك علماء للفقه وآخرون للتفسير وغيرهم للحديث ... إلخ. فمثلا اثنان من علماء أهل السنة في الفقه وهما الإمام أبو حنيفة النعمان (80- 150 هـ/ 699- 767 م) وإمام دار الهجرة مالك بن أنس (93- 179 هـ/ 711- 795 م) ولدا وتكونا علميّا وأصبحا علمين من علماء الإسلام في الفقه في العصر الأموي وقس على ذلك في بقية العلوم العربية والإسلامية.
ومما يذكر للأمويين بكل التقدير- خلفائهم وأمرائهم- أنهم لم يتدخلوا في تلك الحركة العلمية ولم يسجل التاريخ أن عالما في أي علم من العلوم ضيق عليه وسجن من أجل علمه، فقد تمتع العلماء بحرية كاملة في بحوثهم وعلومهم [2] . هذا بإيجاز شديد هو دور الأمويين في الحركة العلمية العربية الإسلامية وليس هنا مقام الحديث عن ذلك تفصيلا.
أما فيما يتعلق بترجمة العلوم الأجنبية، مثل الطب والفلك والكيمياء ... إلخ.
فقد بدأت في أواخر العصر الأموي بداية متواضعة للأسباب التي سبق ذكرها، وأول علم اهتم به الأمويون هو علم الطب الذي لا يستغني عنه الناس في كل زمان ومكان [1] انظر محمد كرد علي- الإسلام والحضارة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة (1968 م) ، (1/ 173) . [2] راجع أحمد أمين- فجر الإسلام، فقد أرخ للحركة العلمية في العصر الأموي.