ووجد أهل البلاد المتطلعون إلى مزيد من النفوذ والسلطان في الدعوة الجديدة ما يحقق آمالهم واستطاع أبو مسلم- الخراساني- أن يجتذب الدهاقين والفلاحين إلى دعوته [1] ، وأن يعبئ الجماهير في خراسان وما وراء النهر تحت رايته- لحساب العباسيين- ونجح في ذلك نجاحا كبيرا وضرب الضربة الأولى في إسقاط الدولة الأموية.
فلما قامت الدولة العباسية كان عليها أن تفي بوعودها وتحقق شعاراتها وتثبت أنها عند حسن ظن الناس، وإلا كان رد الفعل عنيفا وخطيرا.
والحق أن العباسيين بذلوا جهودا كبيرة في هذا المجال، وحاولوا محاولات جادة لتحقيق الشعارات التي رفعوها، ومكافأة الذين ساعدوهم في إقامة دولتهم ومنهم أهالي ما وراء النهر، وكان من وسائل ذلك توسعهم في استخدامهم في الإدارة وفي الجيش، وقد وضحت هذه الظاهرة منذ عهد المأمون وازدادت بروزا في عهد المعتصم وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
وكانت كل تلك الإجراآت تصب في مجرى تعميق الإسلام عقيدة وفكرا وثقافة وسلوكا في بلاد ما وراء النهر، وسيزداد الإسلام رسوخا في البلاد مع مضي السنين خاصة تحت حكم الأسر التي حظيت بنوع من الاستقلال عن الخلافة العباسية كالأسرة الطاهرية (204- 259 هـ) والأسرة السامانية (261- 389 هـ) .
والتي كان ظهورها في حد ذاته جزآ من السياسة العباسية ومكافأة الذين أخلصوا للخلافة ولم يتمردوا عليها، وكان ظهور هذه الأسر بالفعل دفعة قوية للإسلام في بلاد ما وراء النهر، فقد واصل الطاهريون السياسة التي وضع أسسها الأمويون، وعمقها العباسيون، وهي سياسة التمكين للإسلام في الداخل ودرء الأخطار الخارجية، بل يمكن القول: إن الطاهريين كانوا أكثر إدراكا للخطر الذي هدد البلاد من الأتراك الشرقيين [2] .
والذي مكن الطاهريين من القيام بدورهم الكبير في التمكين للإسلام في بلاد ما وراء النهر وفاؤهم للخلافة العباسية واحتفاظهم بعلاقات ودية قوية معها، فلم يبددوا طاقاتهم وطاقاتها في التمرد ومحاولة الاستقلال الكامل عنها- كما فعل الصفاريون مثلا- بل حافظوا على الود واحترام الخلفاء إلى آخر عهدهم، والخلافة [1] د. حسن أحمد محمود- الإسلام في آسيا الوسطى (ص 155) . [2] المرجع السابق (ص 167) .