اعتناق الإسلام وتناقص الجزية، فعادوا- لقصر نظرهم وجهلهم وتفضيل الجباية على الهداية- إلى السياسة القديمة الخاطئة وفرضوا الجزية على المسلمين الجدد، وهو الأمر الذي لم يقبله الداعية الكبير أبو الصيداء ولم يحتمله ضميره، ويبدو أن الرجل كان يتوقع حدوث مثل هذا، بدليل أنه اشترط على الوالي أشرس بن عبد الله صراحة رفع الجزية عن من يسلمون، ولقد ساءه نكوص الوالي عن شرطه واستجابته لحجة العمال الذين تذرعوا بتناقص الأموال والإضرار ببيت المال نتيجة لرفع الجزية عن المسلمين الجدد.
ودليل آخر على توقع أبي الصيداء حدوث مثل هذا أنه كان قال لعدد من أصدقائه المخلصين لدينهم عند ما عرض عليه الوالي أشرس بن عبد الله القيام بمهمة الدعوة إلى الإسلام في بلاد ما وراء النهر، قال لهم: «فإني أخرج فإن لم يف العمال أعنتموني عليهم، قالوا: نعم» [1] الآن جاء أوان وفائهم- بعد أن نكص الوالي وعماله- فاجتمع بهم أبو الصيداء وتعاهدوا على مقاومة إجراآت العمال ولو بالقوة، وقوّت حركة أبي الصيداء وحماسه وغيرته على الدين هو وأصدقاؤه، من عزم مسلمي ما وراء النهر، فلم يرضخوا لإجراآت العمال، وأبوا دفع الجزية بعد أن أكرمهم الله تعالى بالإسلام، واستمروا في إصرارهم على عدم دفعها إلى أن جاء نصر بن سيار واليا على خراسان في أواخر عهد هشام بن عبد الملك [2] سنة (120 هـ) واستمر إلى قيام الثورة العباسية سنة (129 هـ) فصحت عزيمته على تصحيح الأمر، وعبر بنفسه إلى بلاد ما وراء النهر وأعلن في حشد كبير رفع الجزية عمن أسلموا، وكان لذلك أثر طيب للغاية عند الناس وأسرعوا إلى اعتناق الإسلام، ويقول الطبري: «فما كانت الجمعة التالية- يعني الجمعة التالية للتي أعلن فيها قراره- حتى أتاه ثلاثون ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رؤوسهم» [3] وهذا العدد الهائل من المسلمين ظلوا يدفعون الجزية ولم يرجعوا عن دينهم، وهذا يدل على رسوخ الإسلام في قلوبهم، ولنا أن نتوقع أن أعدادا كبيرة تكون قد أقبلت على الإسلام بعد قرار الوالي نصر بن سيار.
وخلاصة القول: أن حركة انتشار الإسلام في بلاد ما وراء النهر قد اتسع نطاقها [1] (7/ 54) . [2] انظر: زين الأخبار، لأبي سعيد الكرديزي- مصدر سابق (1/ 187) . [3] (7/ 173) .