الإسلام- الذي أخذ شأنه اليوم يضعف في جهات آسيا الآخرى- وقد غدا في بخارى اليوم (1873 م) على الصورة التي كانت عليها أيام الخلفاء الراشدين» [1] بل إن لدينا من الشواهد ما يحملنا على الاعتقاد بأن كثيرين من أبناء ما وراء النهر قد اعتنقوا الإسلام في وقت مبكر، وحتى قبل استقرار الفتوحات في بلادهم، ففي الغزوات التمهيدية التي كانت تتوالى قبل فتوحات قتيبة كان الغزاة المسلمون يعودون إلى خراسان ومعهم أعداد كبيرة من أسرى بلاد ما وراء النهر، وكانوا يقسمونهم فيما بينهم وكانوا يعايشونهم ويعاملونهم معاملة حسنة فعملت تلك المعاملة عملها في جذب كثير منهم إلى الإسلام، ففي غزوة واحدة عاد عبيد الله بن زياد بأعداد كبيرة من أسرى بخارى قد بلغ عددهم أربعة آلاف أسير، وقدم بهم البصرة، وفرض لهم العطاء [2] .
كل الشواهد إذن تدل على أن خطى الإسلام قد اطردت في بلاد ما وراء النهر وأخذت تترسخ مع خطوات الفتح الأولى، وكان الفاتحون المسلمون يشجعون الناس على اعتناق الإسلام بالقدوة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وتلك هي مهمة الفاتحين الأولى التي كانوا يعطونها الاعتبار الأول، فما من مدينة فتحها قتيبة بن مسلم إلا بنى فيها المساجد وترك فيها الدعاة ينشرون الإسلام ويفقهون الناس فيه [3] .
وأقبل الناس على اعتناق الإسلام على نطاق واسع ولا أدل ذلك من مشكلة الجزية التي برزت على السطح كنتيجة من نتائج زيادة المقبلين على الإسلام من أبناء البلاد المفتوحة، حيث أبقى عمال بني أمية الجزية على المسلمين الجدد الذين تزايد عددهم وأدى إلى تناقص الجزية ونضوب الأموال، وهو الأمر الذي أزعج المسلمين العرب وأثار سخطهم على العمال ورفعوا الأمر إلى عمر بن عبد العزيز الذي أمر على الفور برفع الجزية عن كل من يسلم من أبناء البلاد المفتوحة كما ذكرنا من قبل، ولقد أدت سياسة عمر بن عبد العزيز، في رفع الجزية عن المسلمين- وهي السياسة السليمة التي يقررها الإسلام- أدت إلى زيادة انتشار الإسلام، خاصة وأن سمعة عمر الطيبة قد ذاعت وانتشرت في كل البلاد، ولم تقتصر سياسة عمر على رفع الجزية عن المسلمين الجدد بل إنه أوقف الحروب، بعد أن رأى أنها اتسعت أكثر من اللازم- بل كان يريد سحب الجيوش الإسلامية من بعض البلاد ومنها بلاد ما وراء [1] تاريخ بخارى (ص 67) . [2] البلاذري فتوح (ص 507) . [3] المصدر السابق (ص 518) .