الأمة الإسلامية هذا الخطأ الجسيم، المخالف لمبادئ الإسلام التي تمنع أخذ الجزية من المسلم [1] وسخط المسلمون العرب- قبل غيرهم- على هؤلاء العمال الذين ارتكبوا هذا الخطأ، ورفعوا الأمر إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي غضب غضبا شديدا على هؤلاء العمال وأمرهم على الفور برفع الجزية عمن يسلم، وصاح صيحته المشهورة «قبّح الله رأيكم، فإن الله قد بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا» [2] .
والأمثلة في هذا المجال كثيرة، وخلاصة القول: أن معاملة المسلمين الكريمة وسماحتهم مع أبناء البلاد المفتوحة كانت من أهم عوامل جذبهم إلى الإسلام.
2- العامل الثاني الذي كان له أثر كبير في انتشار الإسلام في البلاد المفتوحة هو إشراك أبناء البلاد في إدارة بلادهم، فالفاتحون المسلمون لم يصنعوا صنيع الحكومات السابقة عليهم، ويحرموا أبناء البلاد من إدارة بلادهم.
فالمسلمون لم يحتفظوا إلا بعدد قليل جدّا من المناصب، مثل الإمارة وقيادة الجيش والقضاء- وكان ذلك ضروريّا- وما عدا ذلك من الوظائف فقد كان متاحا لأبناء البلاد المفتوحة الذين بقوا على أديانهم، ووصل عدد كبير منهم إلى أعلى المناصب الإدارية التي كانوا محرومين منها في عهود ما قبل الحكم الإسلامي، وكانت حكومة الخلافة الإسلامية تضع ثقتها في أهل الأمانة منهم دون أية حساسية.
ويكفي أن نقدم على ذلك مثلا واحدا من العصر الأموي، حيث بقي ديوان الخراج المركزي في دمشق عاصمة الخلافة- وهو أهم دواوين الدولة- تحت رئاسة أسرة مسيحية، وهي أسرة سرجون بن منصور الرومي، طوال عهود الخلفاء: معاوية ابن أبي سفيان وابنه يزيد، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك، وكان ديوان خراج العراق في الفترة ذاتها تحت رئاسة رجل فارسي، هو زادان فروخ [3] ، ولم يكن سرجون بن منصور- وهو مسيحي- رئيسا لديوان لخراج عاصمة الخلافة فقط، وإنما كان مستشارا سياسيّا للخليفة معاوية بن أبي سفيان [4] .
وقد توسع الأمويون في استخدام أبناء البلاد المفتوحة في الإدارة مما أشعرهم بالأمان والاطمئنان إلى الحكم الإسلامي وجعلهم يقبلون على اعتناق الإسلام بملء [1] انظر كتاب الخراج لأبي يوسف (ص 254) . [2] انظر فتوح مصر لابن عبد الحكم (ص 107) . [3] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص 368) . [4] انظر تاريخ خليفة بن خياط (ص 228) ، والطبري (5/ 330- 348) .