للدخول في الإسلام- وبعده، وبدؤوا يتأقلمون مع الوضع الجديد ويتالفون مع العرب [1] ، بل بدؤوا يدافعون عن الإسلام بحماس ضد الأتراك الشرقيين، الذين توالت إغارتهم على بلاد ما وراء النهر حتى أخذوا يشكلون خطرا على الدولة الأموية التي تصدّت لذلك الخطر بجراءة وجسارة، وقام الولاة الأمويون مثل الجراح ابن عبد الله الحكمي، وعبد الله بن معمر اليشكري، الذي تابع الغزو في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد ونسب إليه أنه هم بغزو الصين نفسها.
وظلت الدولة الأموية والأتراك الشرقيين في صراع يتبادلون النصر والهزيمة حتى تغلبت كفة الدولة الأموية على يد الوالي الشجاع أسد بن عبد الله القسري (117- 121 هـ) ونصر بن سيار (121- 129 هـ) الذي حظي بمكانة في تاريخ الجهاد الإسلامي في تلك البلاد لا تقل عن مكانة قتيبة بن مسلم، فهو الذي حمى بلاد ما وراء النهر من خطر الأتراك الشرقيين [2] .
وخلاصة القول: أن فتح بلاد ما وراء النهر وتثبيت ذلك الفتح وتهيئتها لقبول الإسلام، عقيدة وفكرا وثقافة وسلوكا يعتبر من أهم منجزات العصر الأموي.
* العباسيون وبلاد ما وراء النهر:
ظل الأمويون يخوضون معارك تثبيت الفتوحات الإسلامية فيما وراء النهر، وحمايتها من خطر الأتراك الشرقيين إلى آخر أيامهم، فلما سقطت دولتهم سنة (132 هـ) وقامت الدولة العباسية واصلت- تلك الأخيرة- السياسية نفسها بل إن العباسيين واجهوا خطرا جديدا، وهو الخطر الصيني، فقد رنت الصين إلى السيطرة لا على الأتراك الشرقيين فحسب، بل على بلاد ما وراء النهر ذاتها، ولم تكن الأطماع الصينية تقف عند حد السيطرة السياسية، وإنما كانت ترمي إلى الاستيلاء على طرق التجارة التي تعبرها القوافل من الشرق الأقصى إلى بلاد ما وراء النهر ثم إلى موانئ البحرين الأسود والأبيض المتوسط ثم إلى أوربا، وهذه المطامع الصينية جعلت الصدام مع الدولة العباسية أمرا محتما.
وبالفعل التقى الجيشان الصيني والعباسي في معركة طالاس سنة (134 هـ/ 752 م) والتي انتصر فيها الجيش العباسي انتصارا عظيما، كان أعظم الانتصارات [1] د. حسن أحمد محمود- الإسلام في آسيا الوسطى (ص 150، 151) . [2] المرجع السابق (ص 152، 153) .