كان الحديث والمغازي والسير من أحب الأشياء إلى أهل المدينة، ولعل ابتعاد أبان عن الاشتغال بالسياسة- باستثناء الفترة التي عمل فيها واليا على المدينة من (سنة 75) إلى (سنة 83 هـ) - في خلافة عبد الملك بن مروان- أقول: لعل ابتعاده عن السياسة- وقد عمر طويلا حيث نيف على الثمانين عاما- مكّنه من التفرغ للعلم درسا وتدريسا، وإذا كانت مؤلفاته قد ضاعت فيما ضاع أو تلف من تراث الإسلام ولم تصل إلينا؛ فقد بقيت لنا- من حسن الحظ- رواياته وآراؤه في المصادر التي وصلتنا بروايات تلاميذه.
2- عروة بن الزبير:
هو الرجل الثاني من رجال الطبقة الأولى من كتاب المغازي والسير، وأبوه الزبير ابن العوام بن خويلد، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد المبشرين بالجنة، وهو حواري الرسول صلّى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها عمته، أي: عمة الزبير بن العوام، أما أم عروة فهي ذات النطاقين السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وخالته عائشة أم المؤمنين وأحب أزواج النبي إليه، وقد ولد عروة في المدينة المنورة، حوالي (سنة 26 هـ) ، على أرجح الأقوال؛ لأنه كان صغير السن عندما حدثت موقعة الجمل (سنة 36 هـ) ، ولم يشهدها فقد قال هو في نفسه: «رددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يوم الجمل، استصغرونا» .
فالبيت الذي نشأ فيه عروة ركناه: أبوه الزبير بن العوام حواري الرسول، وأمه ذات النطاقين أسماء بنت الصديق، أما أستاذته الكبرى ومعلمته فهي خالته السيدة عائشة أم المؤمنين، التي كان كثير التردد عليها والمداومة على زيارتها والتعلم منها والحديث إليها.
وإذا كان عروة قد شهد- وهو صبي في العاشرة من عمره تقريبا- الفتنة الكبرى التي حلّت بالمسلمين وزلزلت كيانهم، في الشطر الثاني من خلافة عثمان بن عفان (سنة 30- 35 هـ) والتي استغرقت عهد علي بن أبي طالب كله (35- 40 هـ) فإن الله سبحانه تعالى قد تدارك الأمة الإسلامية برحمته، ووحد كلمتها في (عام 41 هـ) وهو العام الذي سماه المسلمون عام الجماعة- بعد الفتنة والفرقة- حينما تنازل