المقتضيات وحدها. وسنبين مقتضيات الحرب في الإسلام في صفحات تالية في هذا البحث إن شاء الله.
وآيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة على أن الأصل في علاقات المسلمين بغيرهم من الأمم هو السلام، وكذلك أقوال الرسول صلّى الله عليه وسلم وأعماله وسيرته. فمن الآيات الكريمة الدالة على ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208] ، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: 96] ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا [النساء: 94] ، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال: 61] ، لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] . هذه الآيات تعود بالحرب إذا نشبت إلى الأصل الطبيعي في العلاقات وهو السلم، ولو كان الأمر على العكس لما دعي المسلمون إلى التزام جانب السلام إن جنح إليه غيرهم، وأظهروا حسن نواياهم، ولو لم يكن منهم إيمان بالإسلام، وحينئذ فعلى المسلمين قبول السلم بكل ضروبه وأشكاله. وعلى هذا النحو كانت أقوال النبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وسيرته في الحروب والمسالمات، فظل الرسول صلّى الله عليه وسلم يدعو إلى دين الله في مكة ثلاث عشرة سنة حتى يتقرر الأصل في السلام، واستأنف الدعوة السلمية في المدينة، ولولا تجدد بعض المشاكل والمنازعات، ولولا بغي المشركين لاستمرت السلم. وقد قال صلّى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم: «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية ... » «1»
فالرسول ينهى عن الرغبة في الحرب وتمنيها حتى مع العدو، ويسأل الله أن يديم نعمة السلم [2] .
وهكذا يتضح لنا- بما لا يدع مجالا للشك- أن القاعدة في العلاقات الدولية في دولة الإسلام هي السلم، وأن الحرب هي الاستثناء، وسنقدم- بإذن الله- في ثنايا هذا البحث الأدلة العملية على هذا الموقف الأصيل للإسلام في ميدان علاقاته الدولية.
(1) د. وهبه الزحيلي- آثار الحرب في الفقه الإسلامي (ص 134) - نقلا عن منتخب كنز العمال من مسند أحمد (2/ 323) . [2] د. وهبه الزحيلي- المرجع السابق (ص 134) .