وموسى عليهم السّلام كان كل منهم مرسلا إلى قومه فقط، بنص القرآن الكريم [1] . وأما كون رسالة محمد- عليه الصلاة والسلام- عامة لكل الجنس البشري؛ فهذه أيضا حقيقة بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28] ، قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 158] . أما الإجابة عن السؤال المتقدم ذكره؛ فإننا نقول: إن ذلك شيء طبيعي، اقتضته طبيعة التطور البشري، منذ أن خلق الله البشر حتى بعثة محمد صلّى الله عليه وسلم. ولتقريب الموضوع إلى الأذهان فإنه لا مانع من أن نشبه البشرية بطفل أخذ ينمو ويكبر، ويمر بالمراحل التي لا بد أن يمر بها، حتى ينضج ويكتمل نموه الجسدي والعقلي، وإذا جاز لنا ذلك، فلا مانع أيضا من أن نشبه الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بأطباء [2] مع احتفاظنا للأنبياء جميعا- عليهم الصلاة والسلام- بمقامهم السامي أخذ كل واحد منهم يصف للبشرية- التي شبهناها بالطفل في نموه- الغذاء الذي يناسب كل مرحلة من مراحل نموها، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد- عليه الصلاة والسلام- وقد نضجت البشرية، واكتمل عقلها وأصبحت مستعدة لتقبل رسالة عالمية، تصلح مبادئها وتشريعاتها أساسا لحياة فاضلة لكل البشرية في الدنيا، وتضمن سعادتها في الآخرة، دون تفرقة بين جنس وجنس، أو بين أمة وأمة، بل مساواة مطلقة، في الحقوق والواجبات، ولا تفاضل بين إنسان وآخر إلا على أساس التقوى والعمل الصالح، يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ... [الحجرات: 13] . وتؤكد أعمال الرسول وأقواله معنى المساواة التامة بين الناس جميعا، ولم يكتف الإسلام في هذه الناحية- كشأنه دائما في كل تشريعاته ومبادئه- بوضع القواعد النظرية فقط، وإنما طبق هذه المبادئ تطبيقا عمليّا في واقع الحياة بصورة مثالية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم، فلقد كان هناك رجال حول الرسول صلّى الله عليه وسلم، وكانوا موضع حبه وتكريمه، مع أنهم لم يكونوا عربا، بل كان بعضهم في الأصل رقيقا، فسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، كانت منزلتهم عند الرسول لا تقل عن منزلة كبار الصحابة من أشراف [1] راجع الآيات الآتية: سورة نوح الآية (1) ، سورة الأنبياء الآية (52) ، سورة الأعراف الآيتان (65، 73) ، سورة الصف الآيتان (5، 6) . [2] د. محمد عبد الله دراز- الدين (ص 186) .