يحترم مبعوثي الأعداء وحاملي رسائلهم- معاهدة الحديبية في ميزان العلاقات الدولية- الإسلام والعالم- خاتمة البحث. هذا وبالله التوفيق.
* قيام دولة الإسلام: * في عهد النبي:
الإسلام دين ودولة؛ أو بمعنى آخر الإسلام عقيدة إلهية تنبثق منها شريعة، يقوم على مبادئ هذه الشريعة نظام اجتماعي كامل وفاضل، يحقق سعادة البشر جميعا في الدنيا والآخرة. تلك حقيقة لا ينكرها إلا مكابر يجهل حقيقة الإسلام، أو متعصب أعمى التعصب- ضد الإسلام- بصره وبصيرته.
فالتاريخ قد عرفنا برجال جاؤوا برسالات سماوية، ورجال بنوا أمما، ورجال آخرين أسّسوا دولا. لكن التاريخ لم يحدثنا عن رجل واحد جاء برسالة من عند الله، ثم بنى أمة، ثم أسس دولة، سوى النبي العربي محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم، فقد كان محمد رسولا من عند الله للبشرية كلها؛ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28] . وهو مكلف بتبليغ رسالته للناس؛ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] والقرآن الكريم كما حمّل النبي عليه الصلاة والسلام مسؤولية تبليغ الرسالة، فقد حمّله كذلك مسؤولية الحكم بين المسلمين، طبقا لمبادئ هذه الرسالة؛ إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النساء: 105] ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ... [المائدة: 49] . وصفة الإيمان تنتفي عن المؤمنين إذا لم يحكموا الرسول في أمورهم؛ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65] . وبناء على هذا يمكننا أن نقول: إن مهمة تأسيس دولة إسلامية يقوم نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على أسس شريعة الإسلام، هي مهمة أساسية من مهمات الرسول- عليه الصلاة والسلام- وقد اضطلع بهذه المهمة، فأسس الدولة الإسلامية- في المدينة المنورة بعد الهجرة مباشرة- وكان هو- عليه الصلاة والسلام- قائد المسلمين وإمامهم، ينفذ الشريعة بينهم، ويرعى مصالحهم ويحدد لهم علاقاتهم فيما بينهم. ويحدد لهم علاقاتهم بغيرهم من الأمم الآخرى على أسس ومبادئ