فالتاريخ قد عرفنا برجال حملوا رسالات سماوية وأدوها بنجاح، ورجال بنوا أمما، ورجال آخرين أسسوا دولا، لكن التاريخ لم يحدثنا عن رجل جاء برسالة سماوية من عند الله تعالى، ثم بنى أمة، ثم أسس دولة، ونجح في كل ذلك وفي حياته وقبل موته سوى النبي العربي محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم.
ولهذا جعله مايكل هارت على رأس قائمة الخالدين المائة من أبناء آدم وعلل ذلك حسب منهجه العلمي ومقاييس العظمة عنده، بأن محمدا صلّى الله عليه وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمي، وبرّز في كلا المستويين الديني والدنيوي، وأنه أسس ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظماء. «وأنه بعد مرور أربعة عشر قرنا لا زال تأثيره قويّا ومتجددا» [1] .
وبالقياس نفسه يشهد لمحمد صلّى الله عليه وسلم المؤرخ العالمي الشهير ول ديورانت فيقول:
«وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمدا كان من أعظم عظاماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو ولهيب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لا يدانيه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانا غيره حقق كل ما كان يحلم به، وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين، ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى؛ بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، كانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها متفرقة كلمتها، كانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة، وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينا سهلا واضحا قويّا، وصرحا خلقيّا قوامه البساطة والعزة، واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم» [2] .
بعد كل ما تقدم- وهو قليل من كثير- عن شخصية الرسول الخاتم محمد بن عبد الله- عليه الصلاة والسلام- وليس عجبا أن تكون تلك الشخصية محور [1] انظر: الخالدون مائة، تأليف مايكل هارت، ترجمة أنيس منصور (ص 13) . [2] د. عبد الحليم عويس- المرجع السابق (ص 89) نقلا عن قصة الحضارة (2/ 47) .