responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط هجر المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 433
تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ مِنْ بَطْنِهِ» «فَيَدُورُ بِهَا، كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَالَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . وَهَذِهِ صِفَةُ مُخَالِفِي الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفُجَّارِ وَالْأَشْقِيَاءِ، فَأَمَّا السَّادَةُ مِنَ النُّجَبَاءِ وَالْأَلِبَّاءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فَحَالُهُمْ كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ شُعَيْبٌ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] . أَيْ مَا أُرِيدُ فِي جَمِيعِ أَمْرِي إِلَّا الْإِصْلَاحَ فِي الْفِعَالِ وَالْمَقَالِ بِجُهْدِي وَطَاقَتِي {وَمَا تَوْفِيقِي} [هود: 88] أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِي {إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] . أَيْ عَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ وَإِلَيْهِ مَرْجِعِي وَمَصِيرِي فِي كُلِّ أَمْرِي، وَهَذَا مَقَامُ تَرْغِيبٍ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّرْهِيبِ فَقَالَ: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89] . أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمْ مُخَالَفَتِي وَبُغْضُكُمْ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى ضَلَالِكُمْ وَجَهْلِكُمْ وَمُخَالَفَتِكُمْ فَيُحِلَّ اللَّهُ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ نَظِيرَ مَا أَحَلَّهُ بِنُظَرَائِكُمْ وَأَشْبَاهِكُمْ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ صَالِحٍ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُخَالِفِينَ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89] . قِيلَ: مَعْنَاهُ فِي الزَّمَانِ أَيْ مَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ مِمَّا قَدْ بَلَغَكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَعُتُوِّهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ فِي الْمَحَلَّةِ وَالْمَكَانِ. وَقِيلَ: فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ جَهْرَةً، وَخُفْيَةً بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَالشُّبُهَاتِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ مِنْهُمْ لَا زَمَانًا وَلَا مَكَانًا وَلَا صِفَاتٍ. ثُمَّ مَزَجَ التَّرْهِيبَ بِالتَّرْغِيبِ فَقَالَ:

اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط هجر المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 433
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست