responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 361
عَلَى الْفِئَامِ [1] مِنَ الرِّجَالِ الشِّدَادِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ مِنَ الْجُلُودِ وَإِنَّهَا كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَى سِتِّينَ [2] بَغْلًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَعَظَهُ النصحاء من قومه قائلين " لا تفرح " أَيْ لَا تَبْطَرْ بِمَا أُعْطِيتَ وَتَفْخَرْ عَلَى غيرك (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يَقُولُونَ لِتَكُنْ هِمَّتُكَ مَصْرُوفَةً لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَمَعَ هذا (لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) أَيْ وَتَنَاوَلْ مِنْهَا بِمَالِكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، فَتَمَتَّعْ لِنَفْسِكَ بِالْمَلَاذِّ الطَّيِّبَةِ الْحَلَالِ (وَأَحْسِنْ كما أحسن الله إِلَيْكَ) أَيْ وَأَحْسِنْ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ خَالِقُهُمْ، وَبَارِئُهُمْ إِلَيْكَ (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ وَلَا تُسِئْ إِلَيْهِمْ، وَلَا تُفْسِدْ فِيهِمْ، فَتُقَابِلَهُمْ ضِدَّ مَا أُمِرْتَ فِيهِمْ فَيُعَاقِبَكَ وَيَسْلُبَكَ مَا وَهَبَكَ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) فما كان جواب قَوْمَهُ.
لِهَذِهِ النَّصِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الْفَصِيحَةِ إِلَّا أَنَّ (قال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) يَعْنِي أَنَا لَا أَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْمَالِ مَا ذَكَرْتُمْ وَلَا إِلَى مَا إِلَيْهِ أَشَرْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَانِي هَذَا لِعِلْمِهِ أَنِّي أَسْتَحِقُّهُ وَأَنِّي أَهْلٌ لَهُ وَلَوْلَا أَنِّي حَبِيبٌ إِلَيْهِ وَحَظِيٌّ عِنْدَهُ لَمَا أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ (أو لم يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جمعا ولا يسئل عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أَيْ قَدْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ بِذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ قَارُونَ قُوَّةً وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَلَوْ كَانَ مَا قَالَ صَحِيحًا لَمْ نُعَاقِبْ أَحَدًا مِمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ مَالًا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مَالُهُ دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّتِنَا لَهُ وَاعْتِنَائِنَا بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [سبأ: 56] وَقَالَ تَعَالَى (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ.
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يشعرون) [الْمُؤْمِنُونَ: 55 - 56] وَهَذَا الرَّدُّ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ صَنْعَةَ الْكِيمْيَاءِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي جَمْعِ الْأَمْوَالِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْكِيمْيَاءَ تَخْيِيلٌ وَصِبْغَةٌ لَا تُحِيلُ الْحَقَائِقَ وَلَا تُشَابِهُ صَنْعَةَ الْخَالِقِ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ لَا يَصْعَدُ الدُّعَاءُ بِهِ مِنْ كافر به، وقارون وكان كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقًا فِي الظَّاهر.
ثُمَّ لَا يَصِحُّ جَوَابُهُ لَهُمْ بِهَذَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَبْقَى بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَلَازُمٌ وَقَدْ وَضَّحْنَا هَذَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي
زينته) ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ مِنْ مَلَابِسَ [3] وَمَرَاكِبَ وَخَدَمٍ وَحَشَمٍ فَلَمَّا رَآهُ مَنْ يُعَظِّمُ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَمَنَّوْا أَنْ لَوْ كَانُوا مِثْلَهُ وَغَبَطُوهُ بِمَا عَلَيْهِ وَلَهُ فَلَمَّا سَمِعَ مَقَالَتَهُمُ الْعُلَمَاءُ ذَوُو الْفَهْمِ الصَّحِيحِ الزُّهَّادُ الْأَلِبَّاءُ قَالُوا لَهُمْ: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) أَيْ ثَوَابُ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَجَلُّ وَأَعْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ، أي وما

[1] الفئام: جمع فئة وهي الجماعة.
[2] في رواية للطبري: أربعين بغلا.
وذكر القشيري: سبعين بغلا.
[3] قال الغزنوي: خرج يوم السبت، وكان أول من صبغ له الثياب المعصفرة.
وقال مجاهد: كان ذلك أول يوم رؤى فيه المعصفر.
[*]
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 361
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست