responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 34
الطُّلُوعِ مِنْ عَادَتِهَا فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا فَجَاءَ أَنَّهَا تَسْجُدُ أَيْضًا ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لها ثم يسجد فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا وَتَطُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ، فَتَقُولُ يَا رَبِّ إنَّ الْفَجْرَ قَدِ اقْتَرَبَ وَإِنَّ الْمَدَى بَعِيدٌ فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا جَمِيعًا.
وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَفَسَّرُوا بِذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) قيل لوقتها الذي تؤمر فيه تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا * وَقِيلَ مُسْتَقَرُّهَا مَوْضِعُهَا الَّذِي تَسْجُدُ فِيهِ تَحْتَ الْعَرْشِ.
وَقِيلَ مُنْتَهَى سَيْرِهَا وَهُوَ آخِرُ الدُّنْيَا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لَا مُسْتَقَرَّ لَهَا أَيْ لَيْسَتْ تَسْتَقِرُّ فَعَلَى هَذَا تَسْجُدُ وَهِيَ سَائِرَةٌ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أَيْ لَا تُدْرِكُ الشَّمْسُ الْقَمَرَ فَتَطْلُعُ فِي سُلْطَانِهِ وَدَوْلَتِهِ وَلَا هُوَ أَيْضًا وَلَا اللَّيْلُ سابق النهار أَيْ لَيْسَ سَابِقَهُ بِمَسَافَةٍ يَتَأَخَّرُ ذَاكَ عَنْهُ فِيهَا بَلْ إِذَا ذَهَبَ النَّهَارُ جَاءَ اللَّيْلُ فِي إِثْرِهِ مُتَعَقِّبًا لَهُ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الخلق وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وَقَالَ تَعَالَى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62] أَيْ يُخْلِفُ هَذَا لِهَذَا وَهَذَا لِهَذَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " فَالزَّمَانُ الْمُحَقِّقُ يَنْقَسِمُ إِلَى لَيْلٍ وَنَهَارٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُمَا * وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجل مسمى) [لقمان: 29] فيولج مِنْ هَذَا فِي هَذَا، أَيْ يَأْخُذُ مِنْ طُولِ هَذَا فِي قَصْرِ هَذَا فَيَعْتَدِلَانِ كَمَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ يَكُونُ اللَّيْلُ قَبْلَ ذَلِكَ طَوِيلًا وَالنَّهَارُ قَصِيرًا فَلَا يَزَالُ اللَّيْلُ يَنْقُصُ وَالنَّهَارُ يَتَزَايَدُ حَتَّى يَعْتَدِلَا وَهُوَ أَوَّلُ الرَّبِيعِ * ثُمَّ يَشْرَعُ النَّهَارُ يَطُولُ وَيَتَزَايَدُ وَاللَّيْلُ يتناقص حَتَّى يَعْتَدِلَا أَيْضًا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْخَرِيفِ * ثُمَّ يَشْرَعُ اللَّيْلُ يَطُولُ وَيَقْصُرُ النَّهَارُ إِلَى آخِرِ فَصْلِ الْخَرِيفِ * ثُمَّ يَتَرَجَّحُ النَّهَارُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيَتَنَاقَصُ اللَّيْلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَعْتَدِلَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَامٍ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [المؤمنون: 80] أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا يُخَالِفُ وَلَا يُمَانِعُ وَلِهَذَا يَقُولُ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ [1] عند ذكر السموات وَالنُّجُومِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي العزيز الذي قد قهر كل شئ ودان له كل شئ فلا يمانع ولا يغالب العليم بكل شئ فقدر كل شئ تَقْدِيرًا
عَلَى نِظَامٍ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَضْطَرِبُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عيينة عن

[1] يقول تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الانعام 96.
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ العليم) يس 38.
(وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فصلت 12.
[2] رواه مسلم في 40 كتاب الالفاظ من الادب - 1 - باب النهي عن سب الدهر ح 2246 / ص 1762 والبخاري ح [*]
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست