responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 211
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) .
وَجَعَلَ اللَّهُ مَكَانَ تِلْكَ الْبِلَادِ بَحْرَةً مُنْتِنَةً لا ينفع بِمَائِهَا وَلَا بِمَا حَوْلَهَا مِنَ الْأَرَاضِي الْمُتَاخِمَةِ لفنائها لردائتها وَدَنَاءَتِهَا فَصَارَتْ عِبْرَةً وَمَثُلَةً وَعِظَةً وَآيَةً عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ وَاتَّبَعْ هَوَاهُ وَعَصَى مَوْلَاهُ.
وَدَلِيلًا عَلَى رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ.
وَإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: * - 9] وقال تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ.
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية للمؤمنين) [الْحِجْرِ: 73 - 77] أَيْ مَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْفِرَاسَةِ وَالتَّوَسُّمِ فِيهِمْ، كَيْفَ غَيَّرَ اللَّهُ تِلْكَ الْبِلَادَ وَأَهْلَهَا؟ وكيف جعلها بعدما كَانَتْ آهِلَةً عَامِرَةً.
هَالِكَةً غَامِرَةً؟ كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا: " اتَّقَوْا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ " [1] ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) .
وَقَوْلُهُ (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) [الحجر: 76] أَيْ لَبِطَرِيقٍ مَهْيَعٍ مَسْلُوكٍ إِلَى الْآنَ كَمَا قَالَ (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الصافات: 137] وقال تعالى (وَلَقَدْ تركناها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يعقلون) [الْعَنْكَبُوتِ: 35] وَقَالَ تَعَالَى (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ
فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الاليم) [الذَّارِيَاتِ: 35 - 37] أَيْ تَرَكْنَاهَا عِبْرَةً وَعِظَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَانْزَجَرَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَتَرَكَ مَعَاصِيَهُ وَخَافَ أَنْ يُشَابِهَ قَوْمَ لُوطٍ (وَمَنْ تشبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَوْمَ لُوطٍ بِعَيْنِهِمْ * فَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدِ فَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ الْخَائِفُ مِنْ رَبِّهِ الفاهم يمتثل ما أمره الله به عزوجل وَيَقْبَلُ مَا أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ إِتْيَانِ مَا خُلِقَ لَهُ مِنَ الزَّوْجَاتِ الْحَلَالِ.
وَالْجَوَارِي مِنَ السَّرَارِيِّ ذَوَاتِ الْجَمَالِ.
وَإِيَّاهُ أَنْ يَتَّبِعَ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ.
فَيَحِقَّ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ.
وَيَدْخُلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ ببعيد) .

[1] سنن الترمذي 48 / 16 / 3127 عن أبي سعيد الخدريّ وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روى عن بعض أهل العلم، وقال في المتوسمين.
المتفرسين.
ورواه ابن حجر في لسان الميزان (5 / 1154) والقرطبي في أحكامه (1 / 43) ورواه الاصفهاني في حلية الاولياء 4 / 94 والسيوطي في الدر المنثور 4 / 103 والذهبي في الطب النبوي ص 112.
والطبراني في المعجم الكبير 8 / 121.
[*]
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 211
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست