responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 16
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1] وَقَالَ تَعَالَى (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وما بينهما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [هود: 7] فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ عَلَى قَوْلَيْنِ.
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا كَأَيَّامِنَا هَذِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عبَّاس، وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
رَوَاهُنَّ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي ردَّ فِيهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وابن جَرِيرٍ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَغَيْرِهِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ " أَبْجَدْ هَوَّزْ حُطِّي كَلَمُنْ سَعْفَصْ قَرَشَتْ " وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، فَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ " يَقُولُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَيَقُولُ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ: ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنَقُولُ نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا انْتَهَى إِلَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ السَّبْتِ " وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَالَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَسَيَأْتِي فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ (خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ) وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْأَحَدُ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السدي عن أبي مالك، وأبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَهُوَ نَصُّ التَّوْرَاةِ، وَمَالَ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
وَهُوَ أَشْبَهُ بِلَفْظِ الْأَحَدِ وَلِهَذَا كَمُلَ الْخَلْقُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فَكَانَ آخِرُهُنَّ الْجُمُعَةَ فَاتَّخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ عِيدَهُمْ فِي الْأُسْبُوعِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَضَلَّ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَنَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ تَعَالَى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ)
[البقرة: 29] وَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ.
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ.
فَقَضَاهُنَّ سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ، وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ، وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فُصِّلَتْ: 9] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ لِلْبِنَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالمين) [غافر: 64] قال تَعَالَى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً إِلَى أَنْ قَالَ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً) [المرسلات: 25] وقال [تعالى] (أو لم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كل شئ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 30] أَيْ فَصَلْنَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى هَبَّتِ الرِّيَاحُ وَنَزَلَتِ الْأَمْطَارُ وَجَرَتِ الْعُيُونُ، وَالْأَنْهَارُ وَانْتَعَشَ الْحَيَوَانُ.
ثُمَّ قَالَ (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32] أَيْ عَمَّا خُلِقَ فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ، والسيارات والنجوم

اسم الکتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست