وكان ابنه كسرى الذى ملك من بعده، ويسمى ابرويز، معه في مسيره، فعار [1] ذات يوم مركب من مراكبه، فوقع في زرع على طريقه، فرتع فيه، وافسد، فاخذ صاحب الزرع ذلك المركب، فدفعه الى الموكل بذلك الأمر، فلم يمكنه معاقبه كسرى، فرقى امره الى ابيه، فامر ان يجدع إذنا الفرس، ويحذف ذنبه، ويغرم ابنه مقدار مائه ضعف مما افسد الفرس من ذلك الزرع.
فخرج الموكل بذلك من عند الملك لينفذ امر الملك، فوجه كسرى رهطا من المرازبه والاشراف الى الموكل بذلك، ليسالوه التغييب عن ذلك ويدفع الف ضعف مما افسد مركبه، لما في جدع اذن الفرس وتبتير ذنبه من الطيرة، فلم يجبهم الموكل الى ذلك، وامر بالمركب فجدعت أذناه، وبتر ذنبه، وغرم كسرى ما أصاب صاحب الزرع كنحو ما كان يغرم سائر الناس، فلم يكن للملك هرمزد بن كسرى همه ولا نهمه الا استصلاح الضعفاء، وانصافهم من الأقوياء، فاستوى في ملكه القوى والضعيف.
وكان هرمزد منصورا مظفرا لا يروم تناول شيء الا ناله، لم يهزم له جيش قط، وكان اكثر دهره غائبا عن المدائن. اما بالسواد متشتيا، واما بالماه متصيفا.
فلما كانت سنه احدى عشره من ملكه حدق به الأعداء من كل وجه فاكتنفوه اكتناف الوتر سيتى [2] القوس، اما من ناحيه الشرق فان شاهنشاه الترك اقبل حتى صار الى هراة [3] ، وطرد عمال هرمزد، واما من قبل المغرب فان ملك الروم اقبل حتى شارف نصيبين ليسترد آمد [4] وميافارقين [5] [1] عار الفرس يعير ذهب كأنه منفلت. [2] سيتا القوس: طرفاه. [3] مدينه في افغانستان سكانها سنيوس وبينهم طائفه من الشيعة، وينسب بناؤها الى الاسكندر، وهي مشهوره بجامعها القديم وفيها تصنع الطنافس. [4] آمد وهي ديار بكر، مدينه على الشاطئ الأيسر لنهر دجلة، فتحها عياض بن غنام النهري.
[5] ميافارقين: قاعده بلاد ديار بكر بين الجزيرة وأرمينية، وقد سميت قديما مارتيروپوليس او مدينه الشهداء لما جمع فيها من عظام الفرس المسيحيين.