دارا والاسكندر
فلما ورد كتابه على الاسكندر جمع اليه جنوده، وخرج متوجها نحو ارض العراق، وبلغ ذلك دارا بن دارا، فاحرز خزائنه وحرمه واولاده في حصن همذان، وكان من بنائه، ثم لقى الاسكندر جادا مستنفرا، فواقعه وقائع كثيره، لم يجد الاسكندر مطمعا فيه، ولا في شيء منها، ثم انه دس الى رجلين من اهل همذان، كانا من بطانته وخاصه حرسه، وارغبهما، فرغبا، وغدرا بدارا: اتياه من ورائه حين صاف الاسكندر في بعض ايامه، ففتكا به، وانفضت جموع دارا، واقبل الاسكندر حتى وقف على دارا صريعا، فنزل، فجعل راسه في حجره، وبه رمق، فجزع عليه، وقال: يا أخي، ان سلمت من مصرعك خليت بينك وبين ملكك، فاعهد الى بما احببت، أف لك به.
فقال دارا: اعتبر بي [1] ، كيف كنت أمس، وكيف انا اليوم، الست الذى كان يهابنى الملوك، ويذعنون لي بالطاعة، ويتقوننى بالاتاوه؟ وها انا ذا اليوم صريع فريد بعد الجنود الكثيره والسلطان العظيم.
فقال الاسكندر: ان المقادير لا تهاب ملكا لثروته، ولا تحقر فقيرا لفاقته، وانما الدنيا ظل يزول وشيكا، وينصرم سريعا.
قال دارا: قد علمت ان كل شيء بقضاء الله وقدره، وان كل شيء سواه فان، وانا موصيك لمن خلفت من اهلى وولدى، وسائلك ان تتزوج روشنك ابنتى، فقد كانت قره عيني وثمره قلبي.
فقال الاسكندر: انا فاعل ذلك، فأخبرني من فعل هذا بك، لانتقم منه.
فلم يحر في ذلك جوابا دارا، واعتقل لسانه بعد ذلك، ثم قضى، فامر الاسكندر بقاتليه، فصلبا على قبر دارا، فقالا: ايها الملك، الم تزعم انك ترفعنا على جنودك؟! قال: قد فعلت. [1] اعتبر بي: اعتبرنى.