اسم الکتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105
العقل السلفي، وميله مع الهوى
الطائفي، وإلا فإن العاقل هو الذي ينكر امتحان الجميع في أفكارهم، لأن الدين لم
يحجر على الفكر، وإنما حجر على الجريمة.
ويذكر الذهبي وكل المؤرخين أمرا
أخطر من ذلك، وهو التشجيع على رواية أحاديث التجسيم ولو من غير الثقاة، وهو ما وفر
لها الكثير من الوضاعين الكذابين الذين لم يجدوا مناسبة لنشر تضليلاتهم إلا في ذلك
العصر، وتحت حماية السلطة الحاكمة، يقول الذهبي: (وفي سنة 234: أظهر المتوكل
السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى
سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات)[1]
وقال ابن كثير: (فلما ولي
المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فإنه كان محبا للسنة وأهلها، ورفع
المحنة عن الناس، وكتب إلى الآفاق لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن، ثم كتب إلى
نائبه ببغداد - وهو إسحاق بن إبراهيم - أن يبعث بأحمد بن حنبل إليه، فاستدعى إسحاق
بالإمام أحمد إليه فأكرمه وعظمه، لما يعلم من إعظام الخليفة له وإجلاله إياه،
وسأله فيما بينه وبينه عن القرآن فقال له أحمد: سؤالك هذا سؤال تعنت أو استرشاد،
فقال: بل سؤال استرشاد، فقال: هو كلام الله منزل غير مخلوق، فسكن إلى قوله في ذلك،
ثم جهزه إلى الخليفة إلى سر من رأى ثم سبقه إليه)[2]
وذكر ابن كثير وشاية حصلت من
بعضهم على الإمام أحمد، وأنهم أرادوا أن يوقعوا بينه وبين المتوكل، لكنه نجا، بل
زاد ذلك في تكريمه، وتكريم أهل الحديث، وسنذكر الحادثة كما ذكرها حرفيا، لنرى من
خلالها السبب الذي جعل المتوكل يفضل أهل الحديث
[1]
العبر في خبر من غبر، شمس الدين الذهبي، المحقق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني
زغلول، دار الكتب العلمية – بيروت، (1/ 325)