اسم الکتاب : مجزرة بني قريظة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 73
النموذج الثالث:
ويتمثل في
الروايات التي تدل على مدى شجاعة اليهود في مواجهة الموت، وتقديمهم لكل صنوف
العزة، وعدم إذلال أنفسهم بطلب العفو، ومنها ما عبر عنه ابن إسحق بقوله: (وأتي بحيي بن أخطب عدو الله، وعليه حلة له فقاحية-
قال ابن هشام: فقاحية: ضرب من الوشى- قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة (أنملة)
لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر إلى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل، ثم
أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها
الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه)[1]
وهذا الموقف
الذي لا يختلف أحد من الناس في شجاعته، لا يتناسب مع تلك الأوصاف التي ذكرها
القرآن الكريم عنهم من الخداع والمكر، وحتى أنها لا تتناسب مع حيي بن أخطب نفسه
الذي يذكرون ما فعله بالمسلمين من صنوف المكر، مع اعتقاده بنبوة رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على حسب ما ورد في الروايات السابقة؛ فهل يمكن لشخص
يدرك خطأه، وأنه يواجه نبيا بشرت به كتبه أن يفعل ذلك، وأن يقول في خاتمة حياته:
(أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل)
بل إنهم لم
يكتفوا بذكر شجاعة رجال اليهود، وإنما ضموا إليها شجاعة نسائهم الذين حاولوا أن
يصوروهم بصورة الأبطال والمضحين في مقابل سلوكات المسلمين التي صوروها ممتلئة
بالكبر، فقد حدث ابن إسحق بسنده عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (لم يقتل من
نسائهم إلا امرأة واحدة. قالت: والله إنها لعندي تحدث معي، وتضحك ظهرا وبطنا،
ورسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يقتل رجالها في السوق، إذ هتف هاتف باسمها:
أين فلانة؟ قالت: أنا