فهذا الحديث يشير إلى أن الصحبة الصالحة تبقى مستمرة في الآخرة، كما كانت
في الدنيا، لأنها كانت في الله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع
وانفصل، بخلاف تلك الصحبة السيئة التي إن لم تنقطع في الدنيا بأنواع الخصومات؛
فإنها تنقطع في الآخرة، بل تتحول إلى عداوة وصراع، كما قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:
67]
وذكر الله تعالى نموذجا عن ندامة أهل النار بسبب اختيارهم لأصحاب السوء،
فقال: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي
وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]
وهذه النعمة ـ أيها المريد الصادق ـ ليست قاصرة على أولئك الذين رزقهم
الله تعالى أصحابا من عالم الشهادة، أولئك الذين وصفهم رسول الله a بقوله ـ لمن سأله: أي جلسائنا
خير؟ ـ: (من ذكركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكركم في الآخرة عمله)([60])
أو ذلك الذي وصفه الإمام علي بقوله ـ وهو يصف بعض إخوانه ـ: (كان لي فيما
مضى أخ في اللّه، وكان يعظمه في عيني: صغر الدّنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان
بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا، فإن قال بذّ
القائلين، ونقع غليل السّائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب،
وصلّ واد، لا يدلي بحجّة حتّى يأتي قاضيا، وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في
مثله حتّى يسمع اعتذاره،