اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 238
وبذلك، فإن الكرامة تجل لقدرة الله
تعالى المطلقة التي لا حدود لها.. وهي تدل على أن الله تعالى كما يمكن أن يرزق
عباده ويكرمهم من خلال الأسباب والوسائط التي يقتضيها عالم الحكمة، يمكنه أن
يرزقهم ويكرمهم من غير الوسائط، وهي التي يقتضها عالم القدرة، وكلاهما قدرة.
ويشير إلى هذا المعنى أيضا، ومدى
ارتباطه بسنن الله تعالى ما ورد في قصة سليمان عليه السلام واختباره لأصحابه من
الإنس والجن، ونجاح الإنسي الصالح في ذلك الاختبار الذي يبدو خارقا للعادة، قال
تعالى: ﴿قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا
آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ
شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ
كَرِيمٌ﴾ [النمل: 38 - 40]
فهذه القصة تشير إلى أن الخوارق
التي تحصل للصالحين في بعض المحال ناتجة على علمهم ببعض الكتاب الذي يتيح لهم حصول
تلك الإكرامات الخاصة.
وذلك لا يعني ـ أيها المريد الصادق
ـ أن الكرامة هي البرهان الدال على ولاية الولي، أو صلاح الصالح؛ فالأمر ليس كذلك،
فالله تعالى قد يحجب عن الصالحين بعض ما يستحقونه من كرامات، لا لهوانهم عليه،
وإنما لاقتضاء الاختبار الإلهي لذلك، والصالحون يرضون عن ذلك، ويفرحون به، لأنهم
يعرفون أن المنع قد يكون أجزل أنواع العطاء.
ومما يروى في هذا أن بعضهم أنكر على
الإمام السجاد حاجته وفاقته، وعدم قدرته على تسديد بعض حاجات المسلمين المادية،
وقال: (عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة أنّ السماء والأرض وكلّ شي ء يطيعهم، وأنّ الله لا
يردّهم عن شي ء من طلباتهم، ثمّ يعترفون أخرى
اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 238