اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 153
جنونية كلّما بلغت أمورهم طريقاً مسدوداً
في الظاهر، فيضربون الأبواب والحيطان تارةً، وأُخرى يودّون أن تبتلعهم الأرض، وقد
يصمّمون على الإنتحار لإخماد نيران غضبهم. في وقت لا تحلّ فيه هذه الأعمال
الجنونية مشاكلهم، ولو تريّثوا قليلا، والتزموا بالصبر وسعة الصدر، ونهضوا بعد
التوكّل على الله والإعتماد على النفس في مواجهة مشاكلهم، لأصبح حلّها مؤكّداً) ([114])
ولهذا اعتبر البلاء السابق للنصر
ضروري حتى تمحص الصفوف، وتبتلى النفوس ليميز أولياء الله الذين يستحقون النصر عن
غيرهم، قال تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ الله أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]
ومن أصول التوحيد المرتبطة بالنصر والهزيمة،
والتي بسببها يقع الخطأ في عدم التفريق بين النصر الحقيقي والنصر المزيف، شمول
النصر لكل لطائف الإنسان، وعدم اقتصاره على بعضها.. ولذلك قد تكون الهزيمة
الظاهرية في بعض المحال سببا لنصر باطني عظيم.
ذلك أن حياة الإنسان لا تقتصر على
حياته الظاهرية الجسدية الاجتماعية فقط، بل له حياة أخرى أعمق، هي حياته الروحية
الباطنية، والعبرة بتحقق النصر لها لا بتحققه للظاهر فقط.
ولهذا كانت الهزيمة الظاهرية
للمؤمنين في غزوة أحد سببا لانتصارات باطنية في نفوسهم، جعلتهم يعون أن النصر من
الله، وأنه لا يتحقق إلا بالمتابعة التامة لرسول الله a.. وكان ذلك الاعتقاد والسلوك المرتبط به هو السبب في كل
الانتصارات الظاهرية اللاحقة.