اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 107
وقص علينا القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام، والذي لم تمنعه نبوته
ورسالته وإمامته لقومه من أن يسير المسافات الطويلة للقاء الخضر عليه السلام
ليستفيد منه من العلم ما لم يكن لديه.
وبعد هذا كله؛ فإن عقل المؤمن عقل متواضع، يعرف محدودية المدارك التي
وهبت له، ومحدودية العالم الذي يعيش فيه، لذلك يتوقف عن البحث فيما لا دليل عليه
إلا الحدس والهوى المجرد، لأنه يعتقد أن الجهل البسيط بالحقائق خير من الجهل
المركب بها، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا
عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ
أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾ [المائدة: 101، 102]
ولهذا؛ فإن المؤمن بدل أن يفكر في ذات الله، والتي يستحيل إدراكها، يفكر
في أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وسننه وقوانينه في خلقه، لأنها المعارف الوحيدة
المتاحة له في هذا العالم، وهي التي يمكنه أن يقوّم بها سلوكه وحياته، ليستقيم عقله
العملي كما استقام عقله النظري.
هذه ـ أيها المريد الصادق ـ بعض مظاهر فضل الله تعالى على المؤمنين أصحاب
النفوس المطمئنة بمثل هذه العقول المسددة التي لا تقع في أوحال الهوى، ومستنقعات
الدجل، لأنها لا تسير في الظلام المطبق، وإنما تسير بسراج الهداية الإلهية، وعلى
ضوئها.
اسم الکتاب : مواهب النفس المرضية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 107