اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 81
وإن قال: كنت جاهلا، قال
له: أفلا تعلّمت حتى تعمل ؟.. فيخصمه وذلك الحجة البالغة)([160])
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن هذا الفضل العظيم الذي أتاحه الله لأهل
العلم، سواء كانوا من المتعلمين أو المعلمين لا يُقصد به إلا العلم النافع الذي
تعود منفعته على صاحبه أو على المجتمع الذي يعيش فيه أو على البشر جميعا.
ولذلك؛
فإن كل العلوم يمكن أن تكون كذلك بشرط أن تتحقق منفعتها الدينية أو الدنيوية..
ولذلك لا تسمع لأولئك الذين يحصرون العلم في الفقه ونحوه، ويعتقدون أن غيرها من
العلوم لا علاقة لها بالأجور التي أخبر عنها رسول الله a.
وقد
قال بعض الحكماء يرد على ذلك، ويبين الحكم الشرعي المرتبط بها: (أما فرض الكفاية
فهو كل علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا: كالطب، إذ هو ضروري في حاجة بقاء
الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما. وهذه
هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفي
وسقط الفرض عن الآخرين، فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فان
أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات: كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة
والخياطة، فإنه لو خلال البلد من الحجّام تسارع الهلاك إليهم، وحرجوا بتعريضهم
أنفسهم للهلاك، فان الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله، وأعدّ
الأسباب لتعاطيه، فلا يجوز التعرض للهلاك باهماله وأما ما يعد فضيلة لا فريضة
فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ذلك مما يستغني عنه) ([161])